زيـادات تدريجية في الأجـور واستراتيجيـات مدروسـة.. رهـان الانتقــال الاقتصــادي
رؤيـة استشرافيـة محكمـة لإحــداث التـوازن بــين متطلّبــات السـوق ورفاهيـة المواطـن
منذ تولى مقاليد الحكم، وضع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، دعم القدرة الشرائية أولوية احتلت صدارة برنامجه، ولعل الزيادات في الأجور واستحداث منح غير مسبوقة للبطالين والفئات الهشّة، عزّزت من الدعم الكبير للمواطنين، وعمّقت من الثقة ورسّخت الاستقرار الاجتماعي، وبالموازاة مع ذلك، مهّدت أسباب النهضة الاقتصادية التي أسّس لها الرّئيس تبون، حين راهن على القطيعة مع اقتصاد الريع، لصالح الاقتصاد المنتج.
مع إعلان رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، عن زيادات تطبّق ابتداءً من عام 2026، تؤكّد الدولة من جديد التزامها الراسخ بمواصلة دعم القدرة الشرائية وتعزيز الجبهة الاجتماعية، ولن تقتصر هذه الزيادات على فئة العمّال والموظفين فحسب، بل ستشمل المتقاعدين وسائر الفئات الاجتماعية الأخرى، في إطار حزمة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية المبرمجة للسنوات المقبلة، علما أنّ البرامج الاجتماعية التزام أوفى به الرّئيس، وتحرص الجزائر المنتصرة على الاستمرار على المنهج نفسه، سنتي 2026 و2027، في إطار سياسة مرتبطة بالإمكانات المالية المتاحة، بما يضمن التوازن واستقرار المالية العمومية.
التحكّم بالتضخّم وضبط السّوق
بفعل الطفرة الاقتصادية، التي شهدتها الجزائر في السنوات الأخيرة، وما رافقها من توسّع في الاستثمارات وإطلاق مشاريع كبرى في قطاعات الطاقة والصناعة واستغلال الثروات المنجمية، تمكّنت الدولة من بناء قاعدة مالية أكثر مرونة وصلابة، مكّنتها من الحفاظ على منظومة الدعم الاجتماعي، حتى في ظل الاضطرابات التي يشهدها الاقتصاد العالمي.
هذا التحول الاقتصادي لم ينعكس على استقرار المالية العمومية فحسب، بل أسهم – بفضل التخطيط المحكم والسياسات النقدية والمالية المنسّقة – في خفض معدلات التضخّم من نحو 9 بالمائة عام 2020 إلى 3.8 بالمائة حاليا، وهي نسبة تُعد إيجابية بالنظر إلى ما تشهده اقتصادات عدة من تضخّم مرتفع، ويعتمد هذا المسار على تنسيق مؤسّساتي رفيع المستوى ومتابعة يومية دقيقة لأسعار المواد الأساسية، بما يضمن وفرتها في السوق المحلية، ويحدّ من المضاربات التي تمارس ضغطا على قيمة الدينار.
وفي هذا الإطار، تعوِّل الجزائر المنتصرة على برنامج زيادات تدريجية في الأجور والمنح، في خطوة تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطن ابتداء من عام 2026، وتشمل جميع الفئات الاجتماعية من دون استثناء، بما في ذلك المتقاعدون والطلبة والمستفيدون من منحة البطالة.
ولا تقتصر هذه الاستراتيجية على دعم الدخل فقط، بل تمتد إلى مواصلة إصلاح الأداء الاقتصادي وتحصينه ضدّ تقلّبات الأسواق الخارجية، بما يحافظ على الاستقرار المالي ويضمن توازنًا مستدامًا بين متطلّبات السوق ورفاهية المواطن.
وتأتي هذه التأكيدات التي عبّر عنها رئيس الجمهورية، في ظرف اقتصادي عالمي دقيق يتّسم بارتفاع معدلات التضخّم وضغوط السوق، لتعكس رؤية واضحة تقوم على التوفيق بين ضرورات التسيير الاقتصادي ومقتضيات العدالة الاجتماعية، وترسّخ نهج الدولة في جعل التنمية الاقتصادية في خدمة المواطن.
خريطة طريق ومقاربة مزدوجة
تواصل الجزائر التمسّك بطابعها الاجتماعي، الذي يشكّل أحد الثوابت الوطنية المستمدة من بيان أول نوفمبر، وهو ما يتجسّد بوضوح في السياسات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، التي تضع تحسين معيشة المواطن في صدارة الأولويات، ففي هذا السياق، تأتي زيادات الدخل الفردي ورفع الأجور والمنح لمختلف الفئات الاجتماعية، كترجمة عملية للإرادة السياسية في تعزيز القدرة الشرائية، بالتوازي مع الإبقاء على سياسة الدعم الموجّه للمواد الأساسية لمواجهة تقلّبات الأسعار العالمية وحماية الفئات الهشّة.
ولا يتوقف هذا التوجّه عند حدود الدعم المباشر، بل يتعزّز بخيارات إستراتيجية ترمي إلى تشجيع الإنتاج الوطني وتقليص فاتورة الاستيراد، بما يضمن استقرار السوق الداخلية ويحمي الاقتصاد من الصدمات الخارجية، وفي هذا الإطار، تمضي الدولة في تبنّي حزمة من الإجراءات المالية والاقتصادية ذات الأثر المباشر، تهدف إلى تحفيز الاستثمارات المنتجة وتوجيه السياسات العمومية نحو التسيير الذكي للموارد، بعيدًا عن منطق التقشّف التقليدي.
وتلتقي هذه المقاربة الشاملة، مع رؤية الرئيس تبون الاستشرافية لبناء اقتصاد وطني متنوع ومتوازن، يقوم على الانفتاح المدروس على العالم، مع حماية السوق الداخلية وترسيخ السّيادة الاقتصادية.
ووصف عدد من الخبراء تصريحات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بـ»التاريخية»، لكونها تجاوزت إطار الوعود السياسية التقليدية، لتشكّل خريطة طريق واضحة المعالم تقوم على مقاربة مزدوجة: الأولى آنية تستهدف حماية القدرة الشرائية في المدى القريب، والثانية استراتيجية ترمي إلى ضمان نمو اقتصادي مستدام يضع أسسًا قوية لمستقبل الجزائر.
هذا التوجّه يعكس إدراكا سياسيًا واقتصاديًا، بأنّ التنمية الحقيقية لا تُقاس بالأرقام والمؤشّرات فقط، بل بما يلمسه المواطن في تفاصيل حياته اليومية، وهو ما عبّر عنه الرئيس تبون في مختلف لقاءاته واجتماعاته الرّسمية، ومن هذا المنطلق، فإنّ الإجراءات الميدانية التي شرعت فيها الدولة – بدءا من زيادات الأجور وإطلاق برامج السكن بمختلف صيغها، وصولًا إلى توفير السلع الاستهلاكية المحلية بكميات كافية – بدأت تؤتي ثمارها تدريجيا، وستحقّق أمل الجزائريّين في الانتقال إلى الاقتصاد المنتج.