يرصد حلولا عملية لتجاوز التبعية النفطية

الخبير بوهراوة : خطوات استباقية لبحث بدائل التبعية للمحروقات

حاورته: فضيلة بودريش

قدّم البرفسور الجزائري سعيد بوهراوة الدكتور بجامعة ماليزيا والخبير المالي بمركز البحث «إسرا» سلسلة من المقترحات الدقيقة التي يراها جوهرية في كسب رهان التنمية الاقتصادية في المرحلة الراهنة بالاعتماد على المورد البشري الذي يرى بأنه يتوفر على كفاءات عالية في مجال الابتكار ومن شأنه أن يحرر الجزائر بشكل نهائي من التبعية النفطية، ويرصد حلولا واضحة ومتاحة لمواجهة اضطرابات أسعار النفط ويتعلق الأمر بتبني خطوات استباقية، وتشكيل خلية استعجالية لبحث البدائل وتنشيط هذه البدائل ومن ثم التخطيط لها وكذا تقسيمها إلى فرق بحث أو ما يطلق عليها بخلايا تفكير، ثم وضع خطة إستراتجية لهذه البدائل وفوق ذلك ينبغي أن يوضع لها توقيت زمني أي تحديد مسار عمل بـ5 سنوات، واغتنم الفرصة ليستعرض نقاط قوة التجربة الماليزية، سواء تعلق بمنظومتها المالية أو بمؤسساتها المصغرة التي تخلق الثروة.

«الشعب»: في البداية هل يمكن تقديم ملخص عن تجربتكم المميزة كجزائري تألق كثيرا في قسم البحث والابتكار في ماليزيا؟
-الخبير سعيد بوهراوة: بالطبع.. الدكتور سعيد بوهراوة برفسور ومدير مركز البحث «إسرا» والمتمثل في جناح بحثي تابع للبنك المركزي الماليزي، على خلفية ان البنك المركزي الماليزي لديه جامعة ومركز بحث ومهمته الادماج، حيث أسس البنك المركزي هذا الجناح البحثي  بهدف تحقيق التكامل بين الجانب النظري والتطبيقي أي الاهتمام بجميع البحوث والتطبيقات المالية الاسلامية والابتكارات والهندسة المالية الاسلامية، علما أن هذا القسم يعمل عملا مكثفا ومهما، حتى صارت المصارف الإسلامية في ماليزيا تعرف ما يسمى بالانضباط والالتزام الشرعي ومختلف الجوانب التطبيقية في المالية الاسلامية، ولا يخفى أن البنك المركزي ساعدنا في إصدار 14 معيارا شرعيا ـ أي ـ ويتعلق الأمر بكل من «مربحة ومضاربة وتورق..» وما إلى غير ذلك و مركز «إسرا» أعضائه يدرسون في الجامعة وأنا كذلك أدرس وأساهم في البحث والابتكار على مستوى المنظومة المالية.

التأطير القانوني والرقابي

 أطلقت الجزائر دعما ومرافقة وتسهيلات جبائية وأقرت العديد من الإصلاحات في المنظومة المالية من أجل تسريع وتيرة التنمية.. كيف يمكن الوصول إلى تنويع الاقتصاد الوطني واستحداث نسيج مؤسساتي قوي في السنوات القليلة المقبلة؟
 من الضروري ضمان التأطير القانوني والرقابي للمالية الإسلامية وينبغي تجسيد تأطير يتميز بالشمولية والتفصيل، ووضع المالية الإسلامية أي الصيرفة والتكافل مع المالية التقليدية على قدم المساواة أي تجسيد الحياد الضريبي والتسهيلات، لأن البنك المركزي لديه لجنة الموائمة، وكل منتج يكلف القسم الإسلامي والصيرفة الإسلامية وإجراء دراسة من أجل تكييف القانون ومن ثم الوصول إلى ما يسمى بالحياد لتجسيد التنافسية الحقيقية على أرض الواقع. وفيما يتعلّق بالجانب الثاني نذكر أهمية توفر البنى التحتية وعلى سبيل المثال في ماليزيا لديها العديد من المصارف الإسلامية أي 16مصرفا إسلاميا و10 نوافذ، وفوق ذلك تتوفر على مؤسسات خاصة تقوم بتمويل القطاع الخاص ومؤسسات مطلعة بتمويل الأصغر والمتناهي الصغر، وكلها لديها تشريعات منضبطة وتخضع لرؤية لمدة 5 أو 10 سنوات، أي ترتكز على إستراتجية ضبط واضح المعالم، و كل قطاع صغير أو أصغر لديه قوانين ولديه جهة تموّله وقسم في الوزارة تتابعه، لذا أتمنى في الجزائر أن تكون الأمور التشريعية مستقرة ويتم رسم رؤية دقيقة ثم الانطلاق بالتدريج أي خطوة خطوة، ولا يجب التسرّع لأن الرؤية الواضحة والسير الثابت والمستقر ضروري وعامل الزمن أمر مهم لتتجسد الأهداف المسطرة، وخلاصة القول أن الأولوية في تبني قوي لمقاربة الانضباط القانوني والبنى التحتية والرؤية الدقيقة، وعلى سبيل المثال ماليزيا اليوم تستقطب سيولة ضخمة أي عشرات المليارات، ووفرة هذه السيولة عبر مصارفنا من شأنها أن تخدم الجزائر خدمة كبيرة، بدل الاعتماد على مداخيل البترول وحدها، حيث ننتقل للاعتماد على التمويل المالي والاستثمار الأجنبي وعلى الشراكات الدولية والتعاملات البينية بين الدول، وكلها تعفي من الاعتماد الشبه كلي على مداخيل النفط المضطربة.
 الجزائر مطالبة بتعميق الاستثمار .. كيف يمكن تفعيل الاستثمار في ظلّ وفرت القدرات وكذا تكوين المورد البشري للنهوض الاقتصادي؟
  لدي أزيد من 23 سنة في ماليزيا، ولا أبالغ إذا قلت أن  للجزائر موارد مذهلة يمكن أن ترفعها إلى مصاف الدول الغنية في العالم، بداية بتوفرها على الشريط الساحلي الرائع والواسع،  وكذا الأراضي الزراعية الشاسعة و الخصبة وبالإضافة إلى تنوع المناخ، ولا يخفى أن عدد السكان قليل مقارنة بحجم المساحة، وما ينتظر اليوم التعجيل بتأهيل الرأس مال البشري ورسم رؤية لتخطيط استراتيجي للمرحلة المقبلة، وسيكون بلا شك للجزائر انطلاق قوي نحو الأسواق الخارجية، وبالتالي تبوأ مكانة مرموقة في استحداث الثروة، ويمكن الاستفادة من بعض تجارب البلدان التي طورت بلدانها وأخذ منها خطوات وأسرار النجاح، ثم الانطلاق وفق عمل مسطر وواضح واختصار الزمن.

استقطاب المتفوقين في الجامعات

 كيف يمكن التوجه نحو تشجيع الاقتصاد الرقمي؟
 جميع أثرياء العالم ليس بحوزتهم أراضي شاسعة، بل وصارت شركات الانترنيت وما شابه ذلك مثل آمازون من أغلى الشركات في العالم، والجزائر في هذا المجال لديها طاقات غير عادية، لأن الكثيرين من الجزائريين متفوقين في المجال العلمي في الخارج، لأنهم عثروا على مناخ جيد وعلى التشجيع، والطاقات الجزائرية في الخارج بما فيها تلك المتواجدة بماليزيا يتمّ الثناء عليها كثيرا ويضرب المثل بتميزها، والكفاءات البشرية العالية المستوى عندما تكون في الخارج تتفجر بالابتكار، وتتوفر الجزائر على ثروة معتبرة في مجال الخدمات والبرمجيات يمكن استغلاله في التنمية الاقتصادية، لفكن بشرط وضع خطة لاستقطاب المتفوقين في الجامعات، ويتم توجيههم نحو المخبر ليفجروا فيه طاقاتهم.
 ما هي رهانات الجزائر في المرحلة المقبلة؟
 من المفروض لمواجهة اضطرابات أسعار النفط أن اللجوء إلى خطوات استباقية، ومن ثم عمل خلية استعجالية لبحث البدائل وبعد ذلك تنشيط البدائل والتخطيط لها وكذا تقسيمها إلى فرق بحث، أو ما يطلق عليها بخلايا تفكير، ثم وضع خطة استراتجية لهذه البدائل، وفوق ذلك ينبغي أن يوضع لها توقيت زمني أي تحدّد مسار عمل بـ5 سنوات، وإذا تهاوى البترول تكون قد أشرفت على التطبيق العملي لهذه البدائل، وهنا فقط يتم تجنب الأضرار التي دون شكّ سوف تقل، لأن الطاقات الطبيعية والبشرية من شأنها أن تغني الجزائر عن الاعتماد الكلي للنفط.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024