التحليل الأسبوعــي

الوجهـــة الإقتصاديـــة بـــين الواقــــع والتطلّعـــات

بقلم: سعيد بن عياد

واقعيـة الخيارات ووضوح الأهـداف وفقـا للإمكانيــات

 لوحـــة قيــــادة جديـــــدة لإحـداث الإقــلاع المطلــــوب

يرتقب الكشف عن مخطط الحكومة قريبا، لتسجل انطلاقة العمل الميداني بمواجهة الأزمة الاقتصادية من خلال تدابير وبرامج ملائمة تنسجم مع توّجهات المسار المؤسس لجزائر جديدة يجري التأسيس لها في الشق السياسي بإعداد مشروع مراجعة الدستور، وفقا لورقة الطريق التي أعلنها الرئيس تبون، منطلقا من التزاماته 54 التي ترسم معالم الخروج إلى برّ الأمان بأقل كلفة وفي وقت قياسي.

 الوقت الذي يستغرقه إعداد مخطط الجهاز التنفيذي يوحي بأن هناك عمل يتم في العمق من أجل صياغة خيارات واقعية وذات جدوى ترتكز على تحليل شامل للمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ورصد لمواطن الاختلالات في المنظومة الإدارية والمصرفية وفهم دقيق للآليات الموجودة ورسم لوحة قيادة جديدة يراهن عليها في إحداث الإقلاع المنتظر باتجاه أهداف محدّدة يمكن قياسها من حيث الكلفة المالية والآجال في تجسيدها.

مخطط واضح قابل للتجسيد
بالتأكيد حتى وإن أخذت المهلة فترة لا ينبغي أن تطول أكثر للاعلان عن مضمون التوّجهات التي تؤطر مسار المرحلة الراهنة وطريقها الى المستقبل، فإنها بالمقابل تساعد على انجاز مخطط واضح وقابل للتجسيد وحينها يمكن تدارك عامل الزمن بمضاعفة وتيرة الانجاز وتطوير أساليب العمل خاصة وأن الوسائل البشرية والتكنولوجية والمادية تسمح بمضاعفة المردودية القطاعية إذا تولى القائمون على مختلف الحقائب الوزارية الأمور بالقوة والعزيمة التي تعتبر في هذا الظرف عنصرا حاسما.
بهذا الخصوص، فإن التواجد في الميدان أصبح حتمية تلزم المسؤول الأول عن كل قطاع للنزول الى المؤسسات والمشاريع للوقوف على المشهد القائم واطلاق حوار جواري مع الشركاء المعنيين بما في ذلك المتعاملين الذين يتدخلون في نطاق المساحة المحددة لكل قطاع من أجل اضفاء شفافية على المشهد وتحديد الخلل واكتشاف الموارد البشرية المهمشة أو غير المحفزة لإقحامها في الديناميكية الجديدة.
يعني هذا أن يكون الوزير أول من يقود قطاعه سواء بالرفع من الآداء بالنسبة للحالات الايجابية أو تصحيح تلك السلبية بوضعها مجددا على السكة السليمة من خلال كسر الحواجز البيروقراطية وانتهاج أسلوب المبادرة وتوسيع مجال المشاركة حول هدف واحد، هو إنتاج القيمة المضافة وايجاد حلول محلية والأكثر جدوى إعادة بناء قوّة كل قطاع بتكامل فروعه وانسجام منهجية إدارته.

احترافية، كفاءة وحوكمة
التشكيلة التي يقودها الوزير الأول عبد العزيز جراد، تدرك مدى التحدّيات الراهنة ومن ثمة ضرورة تقديم تصوّرات حلول لمشكلات تُعيق النموّ وتعطّل مشاريع تنتظر إعادة تنشيطها، وفقا لمسار عملي يدمج كل الطاقات ويجنّد كافة الامكانيات ضمن معادلة متوازنة ولها تفاعلية بين أطرافها بمعايير موضوعية، منها تغليب الاحترافية والكفاءة والحوكمة.
يمكن تحقيق مكاسب لها ثقلها المالي بالأخّص من أول وهلة باعتماد ترشيد للنفقات واقتصاد في الموارد المالية واطلاق جسور تواصل بين مكوّنات القطاع بالمنظور الكلي والمؤسسة بالمنظور الجزئي، علما أن ممارسات السنوات الماضية كلّفت الخزينة العمومية نقصا في الربح بسبب بيروقراطية الوصاية ونفوذ جماعات المصالح وخاصة غياب آلية التقييم والمتابعة.
ما ينبغي ان يتم الحرص عليه في هذا المنعرج أن يكرّس أعضاء الجهاز التنفيذي كل الجهد والطاقة لانجاز الاهداف المسطرة والتحرك بروح الفريق ذلك أن الغاية المطلوبة في نهاية المطاف هي إعادة تصحيح الوضع المثقل بملفات معقدة نتيجة عوامل، منها تداعيات أزمة تراجع إيرادات النفط ومخلّفات مرحلة العصابة، وما ارتكب من فساد فاق التصوّرات لا تزال آثاره على الجهاز الاقتصادي واستمرار حركة الاحتجاج التي تنعكس سلبا على مناخ الاستثمار وتثير الريبة في أوساط المتعاملين.

مؤشرات وأوراق رابحة
حقيقة المؤشرات اليوم، توجد في مستوى الخطر المحدق نتيجة تباطؤ النمو في قطاعات وغيابه في أخرى، في وقت تعاني فيه موارد احتياطي الصرف بالعملة الصعبة من تآكل وتراجع بالنظر لمتطلبات تغطية الطلب الداخلي للاستثمار وتأمين ديمومة نشاط المؤسسات الإنتاجية، غير ان هناك في يد الحكومة أوراق رابحة يمكن اللّعب بها في معركة التحوّل الاقتصادي إذا تم استعمالها جيدا في الميدان، ويتعلق الأمر بالأساس بقطاعات ناشئة وأخرى قابلة للنهوض، مثل الفلاحة الواسعة النطاق مع الصيد البحري بأبعاد صناعية تحويلية الى جانب السياحة والمؤسسات الناشئة المطابقة للمعايير.
فيما يخص المؤسسات الناشئة التي وضعها الرئيس تبون في مقدمة قطار الاستثمار ويخصّها بالمرافقة، ينبغي الاحتياط من إعادة تجربة جهاز تشغيل الشباب والتوّجه الى مقاربة أكثر جدوى تدمج بين المشروع والكفاءة ووضوح الأهداف الاقتصادية بجانبها المالي والقدرة على الاندماج في مسار التصدير سواء لمنتجات وخدمات أو توفيرها للطلب المحلي بأقل كلفة وذات جودة.
لكن كل هذا الطموح واسع الأفق، وهو أمر مشروع ومحمود في بلد كالجزائر يملك كافة مقوّمات الاقلاع والخروج من دائرة الصدمة المالية ينبغي الاشارة الى دور المنظومة المصرفية التي تمثل العصب المتين للتحوّل المصيري للاقتصاد، بحيث ينتظر منها أن تأخذ المبادرة بأكثر حركية وانفتاح على المحيط الاستثماري والنسيج المؤسساتي ضمن معايير النجاعة يكون فيها المصرفي طرفا فاعلا بروح اقتصادية وليس رقما بيروقراطيا سلبيا، مما يعرّض القروض البنكية لمصير مجهول وحينها يصعب استرجاعها.
البنوك طرف خارج السرب
كما يقع على البنوك عبء التوّصل الى استقطاب السيولة المالية التي تنشط أو تنام خارج خزائنها من خلال ابتكار آليات جذابة والتخلّص من ترّسبات نظام فعلت فيه الأيدولوجيات المختلفة فعلتها، وعليه الذهاب بشكل مباشر الى تفعيل الصيرفة الاسلامية كمنتوج بنكي يوّجه الى شريحة واسعة من المتعاملين والأفراد، ذلك أن المال لا رائحة له والذكي من يعرف استقطابه لتعزيز الاحتياطي النقدي الداخلي وتوظيفه في دواليب الاستثمار والاقتصاد بمردودية توّفر السوق الجزائرية شروط الربح ولعلّ أمثلة الاستثمار العقاري الخاص خير دليل وتثير سؤال: كيف لمؤسسات عمومية لم تبلغ تلك الذروة في الربح.
بلا شك الأمر هنا يتعلق بالنمط المناجيريالي الذي يدير القطاع العام والذي أظهر محدوديته ويكاد يفقد صلاحيته أمام تغيرات الاسواق وتطوّرات المناهج في ادارة المؤسسات التي لا يمكن اليوم ان تحقق المطلوب بطغيان ممارسات فقدت حيويتها وأصبحت من مخلفات عهد ولى.

الاستشراف لتفادي التعثر
مسألة أخرى لها وزنها في معادلة التوّجه الجديد تخصّ وضع دعائم تنظيمية ومرافقة لامتصاص الاقتصاد الموازي، وفقا لمسار شفاف يستقطب الفاعلين في هذا الفضاء الذي يستفيد من سوق رائجة ولا يساهم في أعباء الخزينة العمومية، وهي مأمورية إذا نجح وزير التجارة مدعوما بوزارات معنية مثل الداخلية والعدل والمالية، فإن موردا لا يستهان به يصّب في مصلحة الاقتصاد ويعود بالتأكيد بالفائدة على كافة الفاعلين في السوق، ويمكن البدء باجراءات خفيفة من احصاء ورسم أتاوات مقبولة ضمن خارطة شاملة لتأطير الاقتصاد والتجارة في الفضاء الموازي، الذي تعتبر سوق العملة الاجنبية السوداء إشارة سلبية تلطّخ المشهد وتقتضي تصحيحا بإجراءات اقتصادية وليس غيرها.
إن إنجاز التحدي بكل ما يحمله من عوائق ومعضلات لا يكون سوى بإنتهاج مقاربة جديدة تتم صياغتها بإشراك خبراء في مختلف الاختصاصات، تكون منصّة انطلاق المسار الحديث الذي يتولى تجسيده العنصر البشري المتشبّع بالكفاءة والصدق والقناعة الراسخة بأن المهمة أكبر من مجرد وظيفة أو مسوؤلية، وإنما هي فرصة للفرد المؤهل لتقديم الإضافة في منعرج يكاد يشابه بالنظر للخطر المحدق منعرج استرجاع السيادة الوطنية الذي خاضه السلف الأصيل بعزيمة وتضحيات لم تكن ضمنها مصلحة أو أنانية أو حسابات.

نهاية مفعول قوالب جاهزة
هذا الطراز من المسيرين المناجيرياليين يمكنه ان يحدث الفارق، لكن بمرافقة جوارية تتبع كل خطوة لتفادي أي تعثر محتمل لا يحتمل، فالخطأ في التقدير أو الخروج عن الخط المرسوم ممنوع. ولعلّ من الضمانات التي تمنع ذلك ان يدرج المكلفون بالقطاعات الحيوية بالأخص جانب الاستشراف في النظر للمستقبل في الابحار في عالم الاقتصاد تفاديا للاصطدام بجبل الثلج العائم ذلك أن الطريق ليس محفوفا بكل ما يعتبر عراقيل ومقاومة للتغيير أطرافها من تزعجهم المرحلة بما تتضمنه من شفافية وتكافؤ الفرص.
في هذا الاطار، من الضروري التخلّص من ترسبات قوالب جاهزة عطلت لسنوات النهوض من كبوة الانتقال من الاقتصاد الاداري الى اقتصاد السوق الذي لم يتشكل بالنمط الواجب أن يكون عليه أي اقتصاد سوق تحكمه ضوابط تمنع الاحتكار وتذيب المضاربة وتقطع دابر الفساد وتحمي المستهلك، وهو التوزان المفقود الى اليوم، بعد ان تغوّل بارونات التجارة ومافيا الأسواق، ومنها أمثلة لحالات لأسواق جملة خارجة عن القانون تتداول بين أصحابها سيولة مالية رهيبة خارج السيطرة ولا تدفع حقوق الخزينة العمومية، بعد أن استشرى التهرّب الضريبي الى جانب تضخيم الفواتير والغش.

عناوين التغيير الشامل
إشارات بناءة تلوّح في المشهد مرجعيتها ورقة الطريق الجديدة التي بدأ تجسيدها مبكرا بوضع حد لمشروع العصابة واطلاق عناوين كبيرة للتغيير المرتقب، بما يعيد عجلة الاقتصاد الى السكة ليتحرك قطار النمو بالوتيرة اللازمة ونحو الوجهة المرسومة لتتقاطع فيها الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ضمن مقاربة تستوعب كل الزخم الذي تحمله التطلعات والمطالب فتنتشله من تشرذم وتشتت الى انسجام وتكامل يقود الى انفراج شامل يلوّح في المدى القريب، معالمه بارزة تعني عملية إقامتها كل الأطراف والشركاء بسلوكات نابعة من حوار وعمل مؤسسات لا مجال فيها للمغامرة أو الارتجال.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024