قانون المالية بين الطموح التنموي والتهديد الطاقوي

بقلم: دكتور محمد حشماوي / استاذ في الاقتصاد

يأتي إعداد قانون المالية لسنة ٢٠١٥ في ظل ظرفية إقليمية وعالمية متوترة ومتقلبة ميزها تباطئ النمو بالدول الصاعدة والتوترات الجيوسياسية واستمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية على اقتصاديات الدول المتقدمة وعلى الأخص دول منطقة اليورو، هذه الظرفية ساهمت في انخفاض الطلب على النفط وبالتالي انخفاض أسعار البرميل بما يقارب ٢٥ دولارا خلال ٤ أشهر أي فقدان ٢٠٪ من قيمته.
في ظل هذا المشهد المتعقد عدة أسئلة تنتظر الإجابة عنها من مُعدي قانون المالية لسنة ٢٠١٥ :
ـ هل أخذ معدو هذا القانون هذه المعطيات بعين الاعتبار؟
ـ مامدى درجة تهديد انخفاض أسعار النفط على التوازنات المالية للجزائر؟
في تقديمه لمشروع قانون المالية أمام البرلمان حذر وزير المالية من انخفاض أسعار النفط وتداعياتها على رصيد صندوق ضبط الإيرادات الذي سينتقل من ٥٢٨٤٫٨ مليار دج سنة ٢٠١٤ إلى٤٤٢٩٫٣ مليار دج سنة ٢٠١٥ أي بانخفاض يقدر بـ ٧٪، لكن في المقابل أكد وزير المالية على أن هذه الأسعار لا تشكل تهديدا للجزائر بل إنذارا. معتمدا على ما قدمه من مؤشرات اقتصادية متوقفة ( السنة ٢٠١٥ ) كالحفاظ على مستوى التضخم في حدود ٣ ٪ ومعدل نمو بـ ٣ ٪ وقيمة الدولار في حدود ٧٩ دينار الخ..
كل هذه المعطيات والأرقام إضافة إلى ما تضمنه قانون المالية من إجراءات كالإعفاءات الضريبية والإعانات الاجتماعية والأجور والقروض الاستهلاكية تشير إلى الاستمرار في نهج سياسة الإنفاق العام بنفس الوتيرة لسنوات السابقة في غياب إجراءات تقشفية وتأطيرية للاقتصاد الوطني بشكل عام والتجارة الخارجية بشكل خاص كخلق آليات لترشيد الإنفاق العام وتوجيهه لخلق الثروة والتحكم في فاتورة الاستيراد التي مافتئت تنمو سنة تلو الأخرى.
فارتفاع الواردات بمعدل ٤٫٥ ٪ وانخفاظ مداخيل المحروقات بـ٢٫٤ ٪ بسبب انخفاض حجم صادرات هذا القطاع، وارتفاع وزن الإعانات الاجتماعية حيث أصبحت تشكل نسبة ٣٠ ٪ من الناتج الداخلي الخام مع استمرار العجز في الموازنة، كل هذه المؤشرات تدعو إلى الحيطة والحذر أكثر للحفاظ على الوضعية المالية الخارجية للجزائر وعلى التوازنات الاقتصادية والمالية الكبرى.
فرغم التفاؤل الذي أبداه وزير المالية بخصوص تداعيات المحيط الإقليمية والعالمية وتقلبات أسعار النفط على الاقتصاد الجزائر على المدى المتوسط، يبقى على الجزائر أن تنظر إلى مايجري الآن على المدى البعيد، وتأخذ العبرة من أزمة الثمانينات (٨٠) من القرن الماضي، رغم أن السياق والتحديات ليست هي نفسها، وقد تعزز هذا التفاؤل ببعض التوقعات المتفائلة لمعاودة ارتفاع أسعار النفط معتمدة على انتعاش النمو بدول آسيا وبعض دول منطقة الأورو واستمرار تعافي الاقتصادي الأمريكي ومايترتب عنه من ارتفاع الطلب على النفط.
ففي كلتا الحالتين: الانخفاض أو الارتفاع والاستقرار في حدود مقبولة من بعض الدول المؤثرة في السوق النفطي، فعلى الجزائر التي تعتمد كلية في تمويل اقتصادها على عائدات المحروقات، عليها أن تعي أنها ليست في منأى عن تداعيات تقلبات أسعار النفط والغاز على المدى البعيد، فالكثير من المؤشرات تدعم هذه الرؤية منها: هشاشة الاقتصاد الجزائري وضعف الانتاج ـ ارتفاع فاتورة الواردات إلى أكثر من ٥٥ مليارا في الوقت الذي لا تتعدى فيه إيرادات المحروقات ٥٠ مليارا ـ انخفاض إنتاج النفط ومحدودية طاقة إنتاجه ـ ضعف إنتاج واستهلاك الطاقات المتجددة ـ ارتفاع الاستهلاك المحلي من الغاز والنفط وأخيرا ارتفاع عدد السكان ومعه ارتفاع الحاجيات.
كل هذه المؤشرات تشكل تحديات على الجزائر التفكير في مواجهتها من الآن بجعل الخطة الخمسة ٢٠١٥ - ٢٠١٩ بدءا بجعل الحلقة الأولى لهذه الخطة أي قانون المالية ٢٠١٥ بداية لانطلاقة اقتصادية هدفها الارتقاء إلى مصاف الاقتصادات الصاعدة، وللجزائر الإمكانات والوسائل الضرورية لذلك إن توفرت الإرادة السياسية والإدارة الجيدة للنفقات وذلك بتوفير مناخ اقتصادي خال من العراقيل الإدارية والقانونية والتقنية وبيئة قادرة على استيعاب هذه النفقات واستقطاب الاستثمارات الخاصة الوطنية والأجنبية واستغلال الفرص وتحويلها من فرص نظرية إلى فرص حقيقية مجسدة على أرض الواقع لبناء اقتصاد متنوع عماده تشجيع الاستثمارات المنتجة وترقية الإنتاج الوطني وليس الريع ونجاح هذا المسعى لن يتحقق إلا في وجود رؤية واضحة المعالم والأولويات وتوافق اجتماعي يجعل من القوانين الحالية وسائل لتجسيد وتحقيق أهداف  الخطط التنموية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024