الدكتور كمال رزيق يستشرف الآفاق التنموية

توقع تحقيق الجزائر نموا محسوسا خارج المحروقات في 2018

حاورته: فضيلة بودريش

تهيئة العقار الاستثماري سيطلق آلاف المشاريع الصناعية

يستشرف الدكتور كمال رزيق أستاذ العلوم الاقتصادية “جامعة البليدة” آفاق التنمية الاقتصادية على المديين القصير والمتوسط، على ضوء تداعيات انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية ومتطلبات التنمية المستدامة. كما يتناول تحديات المنحنى السلبي لمؤشرات الاقتصاد الكلي، ولا يخفي وجود إمكانيات معتبرة لتجاوز الظرف الصعب.
الشعب الاقتصادي: سجل احتياطي الصرف تراجعا محسوسا نهاية شهر سبتمبر الفارط، حيث انخفض إلى حدود 152 مليار دولار، ما هي آثار هذا التراجع على الاقتصاد الوطني؟
الدكتور كمال رزيق: إن تراجع احتياطي الصرف من 159.918 مليار دولار نهاية مارس 2015 بعدما كان يقدر بـ 178.938 مليار دولار ديسمبر 2014 بفعل الصدمة الخارجية الناتجة عن التراجع المستمر والمعتبر في أسعار النفط سينتج عنه العديد من الآثار السلبية، ولعل من أهم هذه الآثار السلبية هو إمكانية اللجوء إلى “الاستدانة” خلال العامين المقبلين خاصة في ظل غياب البدائل على المدى القريب، مع العلم أن لجوء الجزائر إلى مثل هذا الخيار ليس سهلا، دون أن ننسى فقدان الدينار الجزائري لـ11% من قيمته رغم مستوى الاحتياطي الحالي المناسب لمواجهة الصدمة الخارجية، وبفضل تسجيل سقف متدني للدين الخارجي الذي بلغ 3.3 مليار دولار نهاية مارس 2015، إلا أن استمراره في الانخفاض تحت هذا المستوى سوف يمكن الجزائر من تغطية الواردات لمدة أشهر قليلة سيصعب من مهمة الاستمرار في سياسة الدعم.
هاجس غياب المنهجية والخطط الواضحة
هل المنظومة الاقتصادية الراهنة جاهزة لامتصاص الصدمة الخارجية؟
المؤكد أن المنظومة الاقتصادية الراهنة  غير جاهزة لمواجهة امتصاص الصدمة الخارجية وتحتاج إلى تعزيز قدراتها والرفع من تنافسيتها، كون الاقتصاد مازال يسجل هشاشة ناجمة عن التبعية النفطية، ولا يخفى أن عدم تنوع الاقتصاد الجزائري واعتماده بنسبة كبيرة على المحروقات سيدخل الجزائر في وضعية صعبة، لذا يجب أن يعجل في تداركها من خلال تجنيد جميع القدرات، لكن يبقى كذلك هاجس غياب المنهجية والخطط الواضحة يؤثر بشكل واضح، مع الإشارة أن اللجوء إلى تقليص النفقات و تطبيق إجراءات التقشف لن يكون من السهل تجسيده بعد انتهاج سياسة توسعية في الإنفاق منذ سنة 2000 واستمرار التراجع في أسعار النفط يحتم الإسراع في إيجاد الحلول الجوهرية الفعلية لإنقاذ الاقتصاد الكلي وترشيد النفقات وحماية مقدرات الجزائر.
*قفز التضخم إلى حدود 5.3٪، مما أسفر عن تراجع في قيمة الدينار أمام عملتي الدولار والأورو.. كيف يمكن التخفيف من حدة تضرر صرف الدينار؟
**من العوامل التي أدت إلى تراجع الدينار نذكر تقلص احتياطي الصرف والتخفيض في قيمة الدينار من أجل زيادة حجم الجباية في ظل الفاتورة المرتفعة للواردات، ومن الحلول الناجعة لتفادي المزيد من التدهور للعملة الوطنية، بناء اقتصاد قوي يرتكز على الإنتاج المحلي و يقوم على العمل حتى يتسنى تصحيح الاختلال، ومن الإجراءات التي يمكنها أن تخفف من صعوبة الوضع انطلاق نشاط المناطق الصناعية والحرص على تطبيق آلية القرض الاستهلاكي وفقا لأحكامه، مع تغيير الأنماط والسلوكيات الاستهلاكية للمواطن لمنح قوة للدينار.
رفع التمويلات البنكية إلى 50٪  في 2016
مما يلوح في الأفق هاجس البطالة، كيف يمكن مواجهة هذه المؤشرات الاستعجالية؟.. مسؤولية من.. هل الجهاز الإنتاجي أم المضاربة في السوق الموازية؟
تعد السوق الموازية أو الاقتصاد غير الرسمي الملاذ الطبيعي في نظر بعض الخواص للتخلص من أعباء والتزامات الاقتصاد الرسمي، وصار للأسف موجودا على أرض الواقع، و على الرغم من أن هذه السوق تساهم في تشغيل العديد من البطالين إلا أن أنها في واقع الأمر لا تسمح لهم بالحصول على منصب عمل قار بحماية اجتماعية تحفظ حقوقهم بل توفر لهم موردا للعيش فقط، كما أن السوق الموازية في الحقيقة تهدد بغلق المزيد من المناصب الحقيقة في القطاع الرسمي نتيجة المنافسة غير الشرعية التي تواجهها المؤسسات المحلية التي تقع تحت ضغطه.
وللأسف السوق الموازي يساهم بطريقة غير مباشرة في ظاهرة البطالة إلا أنه لا يمكن أن نبرر هاجس البطالة في الجزائر بهذا السوق، لأن تأثيره ليس عاملا وحيدا، فغياب اقتصاد منتج ومتنوع يخلق الثروة جعل من البطالة واقعا، كون الإدارات لا تفتح ولا تنشأ مناصب الشغل بل في جميع الدول المتطورة والناشئة القطاع الاقتصادي فيها من يستحدث فرص العمل. ومن بين الحلول التي يمكن اقتراحها للقضاء على شأفة البطالة نذكر:
- إطلاق شركات صغيرة و متوسطة بملكية حكومية بحتة ثم خصخصتها وإسناد تسييرها للكفاءات الشابة الطموحة.
- تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والعمل على تحقيق معدل نمو على الأقل بنسبة 6٪، حيث يستوعب الوافدين الجدد لسوق العمل.
- توجيه آليات وحوافز التشغيل نحو القطاعات التي تمتص بكثافة اليد العاملة وتولد أكثر من غيرها القيمة المضافة على غرار الصناعات البترو-كيمياوية والصناعات الغذائية و الصناعات الميكانيكية، وما إلى غير ذلك.
- دعم عمليات إنشاء المؤسسات الصغيرة و المتوسطة
*المنظومة البنكية، هل تستجيب لمعايير النجاعة من حيث تمويل الاستثمار وحماية قيمة العملة؟
**للأسف ينتظرها عمل كبير من خلال عصرنة أدائها، والدليل على ذلك أن حجم التعاملات الإلكترونية مازال محتشما زد على ذلك أن عملية تخليص تعامل مصرفي يستغرق أحيانا أياما وفي أحيان أخرى أسابيع، إلى جانب أن حجم مشاركتها في تمويل العمليات الاستثمارية لم يرتق إلى مستويات معتبرة، ولم يتجاوز سنة 2015 نسبة 22% وتعد هذه الأخيرة نسبة ضعيفة، ولا يخفى وجود متعاملين يشتكون من بطأ وتعقيدات التمويل البنكي، لكن مع تعديل المادة 6 مكرر من قانون العقوبات والذي يرفع رسميا التجريم عن فعل التسيير، يجب أن ترفع نسبة التمويل على الأقل إلى حدود 50% خلال السداسي الأول لسنة 2016. أما فيما يتعلق بالمحافظة على العملة فهي تلعب دورا مهما من خلال تركيبة الكتلة النقدية.
10 ملايير أورو تتداول في السوق الموازية
جلب السيولة المالية بالعملة الصعبة من السوق الموازية، ما هي الإجراءات الفعالة التي يمكن أن تحقق الهدف؟
يقدر الخبراء أن حجم العملة الصعبة المتداولة في السوق الموازية تناهز حوالي 5 إلى 10 ملايير أورو وهذا رقم مهم جدا، لكن الإشكال الذي يجب تشريحه والوقوف عليه، السبيل الحقيقي الذي يقود إلى جذبها واستقطابها ويمكن تحديد طريقتين:
إطلاق عمليا مكاتب الصيرفة بشكل رسمي، رغم أن قانون النقد والقرض يسمح بذلك منذ سنة 1990، لكن لم تر النور إلى حد اليوم، لذا نقترح التعجيل بإطلاقها من خلال السماح فقط للبنوك التجارية في الوهلة الأولى بإنشاء هذه الشبابيك داخل فروعها البنكية، ثم تعميم التجربة على البنوك الخاصة كمرحلة ثانية.
•إلزام المستوردين الذين يرغبون في استيراد سلع كمالية أن يموّلوا تلك العمليات بسيولتهم الخاصة من دون اللجوء إلى أموال البنوك.
ومن شأن هاتين الطريقتين الوصول إلى هدف استقطاب العملة بالإضافة إلى جذب جزء كبير من أموال الجزائريين المغتربين من العملة الصعبة.
القرض الاستهلاكي يشجع على تنمية الإنتاج
ما هي انعكاسات القرض الاستهلاكي على وتيرة الجهاز الإنتاجي الوطني؟
نظريا سوف تكون له انعكاسات إيجابية، على اعتبار أنه سوف يضمن لها سوقا خاصا بها بعيدا عن المنافسة الخارجية وبذلك تستطيع من خلال ذلك تسويق منتجاتها بل زيادة حجم التسويق، كونه يتسنى من العملية ومن خلال هذا القرض تحسين القدرة الشرائية للعائلات ورفع مدخراتها بطريقة غير مباشرة أي من خلال القرض الاستهلاكي، ويرتقب أن تتحقق نظريا أربعة أهداف أساسية من خلال هذه الآلية:
الرفع من مستوى الاستهلاك المحلي للمنتجات المحلية وتشجيع المؤسسة على الإنتاج.
•تقليل حجم الواردات عن طريق تخفيض نسبة الواردات و وتشجيع المؤسسات على الحفاظ والدفاع عن حصصها في السوق، باقتحام السوق المحلية كمنتج وليس مستورد.
•تحسين القدرة الشرائية للمواطنين بدون رفع أجورهم.
•تمكين البنوك من استقطاب أموال المواطنين و أيضا إيجاد سوق جديد لاستثمار أموالهم.
ومع كل هذه المزايا يتوقع أن يحجم العديد من المستهلكين عن الإقبال على القرض الاستهلاكي كون نسبة الفائدة مرتفعة تناهز 6٪، ولدى شريحة أخرى تنظر للقرض على أنه ينطوي على فائدة ربوية.
ومن أجل كل ذلك نقترح إعادة النظر في أسلوب هذا القرض، من خلال إلغاء الفائدة، واستبدالها بحقوق التسيير مثل 1 أو 2% كحقوق لتسيير القرض، مما يمكن من تحقيق الأهداف المشار إليها سابقا وبالتالي يصبح هذا القرض دافعا ومحفزا حقيقيا للمنتوج المحلي و المساهمة في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
هل عدم اشتراط نسبة اندماج معقولة في المنتجات التي يسري عليها القرض الاستهلاكي، يشكل خطرا على القدرات المالية الوطنية؟
لا أعتقد، باعتبار أن هذا الأمر مؤقت أي أننا سمحنا لكل منتوج محلي حتى وإن كان فقط مركب ونسبة الاندماج فيه ضعيفة، والهدف من كل ذلك استقطاب هذه المنتجات لكن لفترة مؤقتة، لكن لكي يتم إعادة النظر مستقبلا في نسبة الاندماج، وبالتالي بداية العملية تكون من خلال مدى الاستقطاب ثم نقيم مدى نجاعتها لكي نحدد فيما بعد النسبة الدنيا للاندماج للاستفادة من القرض الاستهلاكي، وبالتالي يحفز أصحاب هذه المنتوجات للحصول على حصة في السوق تشجعهم وتدفعهم إلى زيادة نسبة الاندماج لكي يحافظ عليها مستقبلا، ويمكن وصف ذلك بالسياسة الرشيدة في وقت يتخوف كثيرا من تداعيات أزمة أسعار النفط وتوجد منافسة عالمية محتدمة لاستقطاب الاستثمارات المغرية.
القرض الاستهلاكي يعزز تنمية الانتاج
أطلق نظام جديد لرخص التصدير والاستيراد كيف يمكنه أن ينظم العمليتين على أرض الواقع؟
الأمر منطقي وضروري ويمكن وصفه  بالبسيط في ظل وجود نوعين من هذه الأخيرة، فالأولى يتم تنظيمها على مستوى كل وزارة معنية بالاستيراد مثل وزارة الفلاحة، والأخرى عامة منظمة من طرف وزارة التجارة من خلال لجنة وزارية مشتركة، تسهر على تسيير هذه العملية خاصة بالنسبة للمنتجات التي تشكل عبئا كبيرا على موارد ميزان المدفوعات أو المنتجات التي تنتج محليا وبالتالي إحلالها محل المنتجات المستوردة.
توقع صندوق النقد الدولي أن تسجل الجزائر في عام 2016 نسبة نمو لا تقل عن 3.8٪.. ما رأيك؟
هذا ما تضمنه قانون المالية لعام 2016، وأيضا أكدته تقارير صندوق النقد الدولي، حيث تم التوقع أن نسبة النمو سوف لن تقل عن سقف 4%، وهذا ناتج بطبيعة الحال عن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت فيه الجزائر سنة 2015 نتيجة الأزمة المالية التي عصفت بفعل انهيار أسعار برميل النفط، خاصة الإصلاح الصناعي الكبير الذي انطلق والمشاريع التي دخلت حيز السريان والتجسيد أو التي اتفق على إنجازها من بينها 12 ألف هكتار صناعي الذي خصص لهذا القطاع بالإضافة إلى 15 ألف التي كانت موجودة من قبل،  مما يرشح دون شك تضاعف حجم المناطق الصناعية وسوف يبعث كل ذلك آلاف المشاريع الصناعية، زد على ذلك سياسة تسقيف الواردات بعد دخول رخص الاستيراد حيز التطبيق مع بداية دخول تنظيم الصفقات العمومية خاصة الفصل المتعلق بتشجيع المنتوج المحلي والآلة الإنتاجية الوطنية، هذا من شأنه أن يشجع الاستهلاك المحلي ويطور الإنتاج من خلال رفع سقفه ونوعيته والسير نحو التوسع في الاستثمارات، ومن شأن مثل تلك الجهود أن تثمر على صعيد النجاح في التقليص من فاتورة الاستيراد وامتصاص البطالة وخلق الثروة والقيمة المضافة.
ويمكن القول أن كل ذلك يسجل في ظل تراجع مكانة قطاع النفط في التنمية لحساب قطاعات أخرى مثل قطاع الفلاحة والسياحة، حيث منحت هذه القطاعات اهتماما واضحا خلال السنوات الأخيرة، وينتظر منها الكثير لذا جميع المؤشرات تترقب تسجيل في الفترة الممتدة من 2016 إلى غاية آفاق 2018 ارتفاعا مطردا ومحسوسا في نسبة النمو خارج قطاع المحروقات بأرقام مقبولة في ظل الأزمة المالية العالمية وتراجع النمو في دول كثيرة خاصة الصين.

  

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024