الخبير كمال خفاش يتحدث عن اقتحام الجزائر للأسواق الإفريقية:

المؤسسة الإنتاجية قادرة على التموقع بتنافسية عــالية في التجارة والاستثمار

فضيلة بودريش

تخوض الجزائر منذ انطلاق سريان خيار النموذج الاقتصادي الجديد، معركة تنموية بوتيرة أسرع وتحدي أقوى، لمواصلة إنجاز أهداف التنمية الكبرى على مستوى جميع القطاعات، وليتناسب النمو مع الإمكانيات المادية المذهلة والبشرية الثرية التي تنتظر الاستغلال الجيد، حتى تقفز الجزائر إلى مصاف الدول الناشئة، ولعلّ التصدير خارج قطاع المحروقات، يعدّ بوابة إنتاج الثروة وتحصيل مداخيل معتبرة بالعملة الصعبة، من شأنها أن توسع من حجم المؤسسات وترفع من القدرات الإنتاجية للنسيج المؤسساتي. إذا بات كل شيء جاهز ليتحقّق ما هو منشود على الصعيد الاقتصادي، بعيدا عن إيرادات النفط والثروات الباطنية، ويبقى الإقلاع الصحيح مفتاح تقدم قاطرة التنمية.
تشكّل إفريقيا كما يتفّق الخبراء، سوقا واسعة وقريبة من الجزائر وتوصف في الوقت الراهن بالسوق الناشئة، التي تحسّنت فيها القدرة الشرائية كثيرا، ومواصفات الجودة لديها غير مبالغ فيها وللجزائر حظوظ قوية لتتموقع بشكل استراتيجي بداخلها..اقتربت «الشعب الاقتصادي» من الخبير كمال خفاش لتسلّط الضوء على آفاق الشراكة بين الجزائر وإفريقيا اقتصاديا وتجاريا.. خاصة أمام رهانات التنمية التي رفعتها الجزائر، لتؤسس لاقتصاد قوي وبديل عن ثروة المحروقات، وأوضح الدكتور خفاش أن للجزائر جميع الإمكانيات، التي تبوأها لتحتل مكانة هامة، ضمن قائمة المصدرين نحو الخارج وخاصة نحو البلدان الإفريقية لعدة عوامل، تتصدرها ما تتسم به السوق الإفريقية، كونها تشترط معايير معقولة للمنتوج المطروح على مستوى أسواقها، وصار على مستواها طلب كبير للمنتجات بينما العرض بها ما زال أقل مما تستوعبه أسواقها، وهنا توجد فرصة كبيرة للجزائر من أجل توفير العرض، كون القدرة الشرائية بدأت تتحسن ولا تشترط منتوجا مبالغ في جودته. وحاول الخبير الاقتصادي تحديد البلدان التي يمكن أن تنطلق الجزائر منها، للسيطرة تجاريا على العديد من أسواق البلدان الإفريقية، وفي صدارتها دول إفريقيا الغربية أو ما يطلق عليها بإفريقيا الفرنكفونية، على غرار كل من السينغال، الذي ينتمي إلى الاتحاد الاقتصادي لدول غرب إفريقيا، ويعدّ محركا اقتصاديا من حيث تبادل البضائع والسلع في هذه المنطقة، وفوق كل ذلك يشتهر بارتفاع نوعا ما للقدرة الشرائية لشعبه، وعاداته الاستهلاكية تشبه نوعا ما عادات الجزائريين. ووقف خفاش في هذا المقام على ضرورة أن تستغل الجزائر لعلاقتها الجيدة المشتركة مع السينغال، في المجال الاقتصادي وتسهيل عملية اقتحام المؤسسات الوطنية الخاصة والعمومية على حدّ سواء هذه المنطقة، في ظلّ الحظوظ الكبيرة لانتشارها بسرعة وكذا تموقعها عبر مختلف أسواق القارة السمراء. وتتميز دولة السينغال بتصديرها للمواد الأولية، حيث لديها مداخيل وميزانية معتبرة وكذا القدرة على الاستيراد مثل المواد المصنعة على غرار المواد الغذائية والأجهزة الكهرومنزلية والإلكترونية والأدوية و..و.. التي بإمكان أن توفرها المؤسسة الجزائرية بسهولة ومعايير مقبولة، وبأسعار منافسة، مقارنة بالمنتجات التي تتدفق من قارتي أوروبا وآسيا، وبذلك يتسنى لها حجز مكان قار في أسواق دول إفريقيا الغربية.
 الاستثمار .. حتمية لا مفر منها
أما فيما يتعلّق بدولة جنوب إفريقيا، التي لديها مداخيل مالية مرتفعة ومعتبرة، يمكن أن تتوجه الجزائر بصادراتها نحو هذه الدولة من خلال الفواكه ذات الجودة العالية، نذكر من بينها التمور والحمضيات وحتى المواد الغذائية والخضر، وبالموازاة مع ذلك تشكل سوق الكاميرون معبرا هاما قصد التوغل على مستوى أسواق دول إفريقيا الوسطى، ويمكن أن تستغل الجزائر حسب تقدير الدكتور كمال خفاش مكانتها وعلاقتها الجيدة داخل الاتحاد الإفريقي، وتترجمه في التعاون الاقتصادي ومن أجل الاستثمار الذي صار حتمية لا مفر منها، بالنسبة للمؤسسات الكبرى القادرة على منافسة المؤسسات الأجنبية، ويمكن بفضل هذا الاستثمار أن يسمح بتحقيق مداخيل معتبرة من العملة الصعبة. وقال الخبير في شقّ آخر يتعلّق بكيفية تشجيع الاستثمار الوطني في الخارج وكذا التصدير كقوة اقتصادية يعولّ عليها على المديين القريب والمتوسط، إعادة النظر في النظام المالي، وتسهيل عملية تحويل مداخيل المؤسسات بالعملة الصعبة، وتحدث عن وجود دراسة تهدف إلى إعادة النظر في الميكانزم، على اعتبار أن المداخيل خارج المحروقات بالعملة الصعبة تحصل عبر قنوات التصدير واستثمار المؤسسة الجزائرية في الخارج. ويعتقد خفاش أن بواسطة الاستثمار الواسع والمعمق يمكن رفع تنافسية وانتشار المنتوج الوطني بالشكل المطلوب. وبخصوص إن كانت الآلة الإنتاجية مهيأة فعلا لاقتحام الأسواق الإفريقية، أكد الدكتور كمال خفاش وجود ما لا يقل عن 20 مؤسسة متوسطة، مؤهلة وتصدر نحو الخارج بصورة منتظمة، وفوق كل ذلك لديها خبرة وتجربة في مجال التصدير، وبحوزتها كذلك الإمكانيات اللازمة وتجري دراسات استشرافية للأسواق ويمكنها بسهولة أن تصل إلى المستهلك الإفريقي وتفرض تواجدها بقوة ما تصنعه.

 بهذه الطريقة يمكن للمؤسسات الصغيرة أن تقتحم الأسواق

 في حين المؤسسات الصغيرة مازالت لم تصل بعد، لكن يمكنها على المدى المتوسط أن تصل إلى هذه الأسواق، شرط أن تكتل في شكل مجموعات تضم من 7 إلى 10 مجموعات في مجال معين، وتستثمر كقوة واحدة، تماما مثل المؤسسات الإيطالية التي لديها تجربة رائدة في هذا المجال، ويمكن بذلك أن تقتحم الأسواق بقوة وثقة وبتنافسية عالية. وسلط الخبير خفاش الضوء كذلك على آفاق التصدير في ظلّ سريان النموذج الاقتصادي الجديد والحظوظ القائمة بفعل الإستراتجية التنموية المجسدة، التي تمتد إلى غاية عام 2019، مشترطا بعض الإجراءات مثل مرونة الأداء المصرفي والتكوين وكذا تهيئة الموانئ للتصدير، حتى تتمكن المؤسسة من الالتزام بطلبيات الصادرات، إلى جانب ضرورة أن تتوجه المؤسسة نحو الابتكار وتعتمد نظام الاستشراف، لتقدير مسبقا احتياجات المستهلك عبر الأسواق الأجنبية والإفريقية على وجه الخصوص. ومن المقترحات التي طرحها الدكتور ضرورة أن تخصص المؤسسة غلافا ماليا للاستثمار، وبالمقابل تستفيد من قروض الصندوق الخاص بترقية الصادرات على سبيل المثال، لتطوير نشاطها الاستثماري، إذا كانت لديها رغبة وضمن أجندتها مشاريع واعدة.
ولاشك في أن الجزائر تتوفر على منتجات ومواد مختلفة يمكن تسويقها عبر مختلف بلدان العالم خاصة الوجهة الإفريقية المهمة بحكم قرب المسافة، وعدم وجود منافسة قوية داخل هذه الأسواق، ويلفت الخبير الانتباه كي يتم التركيز على الفلاحة الحديثة، وعندما ينجح هذا القطاع من خلال استعمال الوسائل الحديثة، يتم الانفتاح على الصناعة الغذائية الناجحة في الجزائر، لتصديرها وتصدير الخضر والفواكه الطازجة أو المصنعة، إلى جانب الاعتماد على الصناعة البتروكيماوية، في ظلّ وجود قدرات لتحويل المواد البترولية لاستخراج البلاستيك وما إلى غير ذلك، يضاف إلى ذلك الصناعة الجزائرية الناشئة في مجال الأجهزة الكهرومنزلية والالكترونية والمنطقة الصناعية الكائنة بولاية برج بوعريريج تعكس ما تنتجه، إلى جانب قطاع الدواء، وصناعة الدرجات والوصول ببعض الصناعات على الأقل إلى نسبة اندماج تناهز حدود الـ 30 بالمائة.
يرى الخبير أنه بات من الضروري، أن يتم اتخاذ إجراءات صارمة لتسهيل الاستثمار خاصة على الصعيد الاداري، وتقديم المساعدة للدولة من خلال توفير العقار الصناعي، حتى تتفرغ المؤسسة للانتاج، وتختفي العراقيل ويكون المحيط في خدمة المؤسسة، التي صارت العصب لكل معركة اقتصادية وتحدي تنموي.
لا يخفى أن الجزائر دائمة الاهتمام بشراكتها مع الدول الإفريقية بحكم الجوار، وكذا العلاقات التاريخية القوية، التي لم تبخل فيها بالمساعدة اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا، علما آخر اتفاقيات أبرمتها خلال السنة الجارية تمثلت في التوقيع على 20 عقدا مع مؤسسات اقتصادية وتجارية من دولتي تشاد وكوت ديفوار، بغلاف مالي إجمالي لا يقل عن حدود 145 مليون دولار أمريكي.
وتنظر الجزائر إلى إفريقيا باهتمام، وتسعى بالدرجة الأولى لترقية صادراتها خارج قطاع المحروقات وتنويع اقتصادها انطلاقا من أسواق هذه الدول.
ولعلّ أهم المؤشرات التي تعزز نجاح الجزائر، توفرها على مؤهلات كبيرة تمكنها من اقتحام  أسواق القارة السمراء، من خلال توفرها على منشآتها ضخمة، من بينها مشروع الميناء الكبير للوسط ومشروع خط السكك الحديدية العابرللقارة الإفريقية. وتهتم الجزائر التي تحتضن قبل نهاية السنة الجارية، المنتدى الجزائري الإفريقي، للمشاركة في برنامج الربط الكهربائي للقارة السمراء المسطر من طرف منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي مع حلول آفاق عام 2030.——

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024