قرارات استباقية وفورية لمواجهة الوباء

الفيروس الفتاك جعل المغامرة بصحة المواطنين مستحيلة

فتيحة كلواز

على مدار سنة كاملة عاشت الجزائر، على غرار باقي دول العالم، أزمة صحية استثنائية مست تداعياتها مختلف مناحي الحياة. كان الإغلاق وفرض حجر صحي الخيار الأول للحفاظ على صحة المواطنين، نظرا لغياب معلومات كافية حول فيروس كورونا، ليتحول التعايش معه «حتمية» من أجل العودة التدريجية إلى الحياة العادية، بغية تجاوز تداعياته على الاقتصاد، ليكون انطلاق عملية اللقاح آخر مرحلة للخروج من نفق مظلم، خففت القرارات المتخذة من طرف السلطات من وطأتها على المواطن.

مع ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا في الجزائر، وضعت السلطات المعنية كل أجهزتها تحت تصرف اللجنة العلمية لمتابعة ورصد انتشار فيروس كورونا، فكانت الصرامة والجرأة في اتخاذ القرارات أهم ميزة لتعامل الدولة مع الجائحة العالمية، فلم تنتظر ارتفاع عدد الإصابات لإعلان حالة «طوارئ صحية».

«الطوارئ» لتفادي الأسوإ
تمخضت عن اجتماع مجلس الأمن المنعقد في 23 مارس 2020 قرارات عملية جاءت بعد تسجيل حالات إصابات بكوفيد-19. وبالرغم من أن الفيروس لم يكن متوطنا في الجزائر، إلا أن رئيس الجمهورية وضع صحة المواطن في مرتبة أولى الأولويات، لذلك جاءت القرارات المتخذة شجّاعة وجريئة للتعامل مع الجائحة العالمية.
وأعطيت تعليمات من أجل التطبيق الفوري للإجراءات التالية: الغلق الفوري للمقاهي والمطاعم والمحلات، ماعدا محلات المواد الغذائية، غلق قاعات الحفلات والأعراس العائلية، بحيث يتعرض كل مخالف لعقوبات صارمة قد تصل إلى سحب السجل التجاري، احترام مسافة الأمان الإجبارية على الأقل متر بين الأشخاص، ومنع تنقل سيارات الأجرة.
وأمر الرئيس بتخفيف إجراءات جمركة التجهيزات الطبية والمنتجات الصحية المخصصة لمحاربة فيروس كورونا، من خلال تخصيص رواق أخضر. كما تعين على مصالح الجماعات المحلية القيام بأنشطة تطهير وتعقيم الأماكن العمومية، بالإضافة إلى تسريح 50 بالمائة من العمال في القطاع الاقتصادي والخدمات العمومية والخاصة.
وتم إعلان حجر تام لمدة عشرة أيام بولاية البليدة، مع منع الحركة من وإلى الولاية، وفرض حجر صحي جزئي على ولاية الجزائر العاصمة من الساعة 19 مساء إلى 7 صباحا، مع تعميم الإجراء على كل الولايات التي ينتشر فيها الوباء، وكذا غلق الحدود برا وكل المطارات أمام حركة المسافرين للحد من سلسلة العدوى.
وبالفعل وجد الجزائريون أنفسهم في مواجهة أزمة صحية سببها فيروس مجهول لا يعرف عنه المختصون سوى معلومات قليلة جعلت المغامرة بصحة المواطنين أمرا مستحيلا، وهو ما جعل الحكومة تتخذ قرار توسيع الحجر الجزئي إلى 38 ولاية في 4 أفريل 2020، مع الإبقاء على الحجر الكلي على ولاية البليدة.
في 10 أفريل تقر الجزائر بأن العلاج بالكلوروكين ساهم في تحسن حالة المرضى، لتعلنه بروتوكولا صحيا لعلاج فيروس كورونا. بالرغم من ذلك أبقت السلطات على الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية الموصى بها، خاصة مع ارتفاع حالات الإصابة، حيث شارف العدد الإجمالي للإصابات 2000 إصابة، ليسجل في شهر جويلية 2020 الذروة الأولى لجائحة كوفيد-19، والتي تزامنت مع الفتح التدريجي لبعض المحلات والأنشطة التجارية، إلى جانب رفع تسريح 50 بالمائة من العمال والإبقاء على العطلة الاستثنائية للنساء الحوامل والمربيات والنساء اللاتي تعانين أمراضا مزمنة.
مع حلول شهر أوت، عرف العالم بوادر الانفراج من خلال إعلان بعض الدول، مثل روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين، عن وصولها إلى مراحل متقدمة من التجارب السريرية للقاح ضد كورونا، ما جعل الجزائر ومنذ 18 أوت الماضي، تبدأ في دراسة اللقاحات الموجودة بغية اختيار الأنسب لها، حيث فيما كشف وزير الصحة حينها أن الجزائر وقعت اتفاقا مع 17 دولة لاقتناء لقاح بعد توفيره وبأقل سعر.
أكثر من 1000 إصابة في اليوم...
استقرار الوضع الوبائي في الجزائر، جعل السلطات تعدل مواقيت الحجر الجزئي المنزلي من الحادية عشرة ليلا إلى السادسة صباحا على مستوى 29 ولاية، مع رفع منع حركة سير السيارات الخاصة من وإلى الولايات المعنية بإجراء الحجر الجزئي، بالإضافة إلى تمديد الإجراء الـمتعلق بمنع حركة مرور وسائل النقل الحضري الجماعي العمومي والخاص خلال عطلة نهاية الأسبوع.
فيما قررت أيضًا الفتح التدريجي والمراقب للمساجد في مرحلة أولى على مستوى هذه الولايات، بحيث لن تكون معنية إلا تلك التي لديها قدرة استيعاب تفوق 1000 مصل بالنسبة لصلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء ابتداء من يوم السبت 15 أوت 2020 وعلى مدار أيام الأسبوع، باستثناء يوم الجمعة الذي تم فيه أداء صلوات العصر والمغرب والعشاء فقط إلى غاية توفر الظروف الملائمة للفتح الكلي لها.
بالرغم من تراجع عدد الإصابات الجديدة إلى إقل من 100 إصابة شهر سبتمبر، إلا أنها ومع حلول شهر أكتوبر عاودت الارتفاع، مجددا، لتبلغ في 24 نوفمبر عتبة 1113 إصابة، ما أدى إلى إعادة التشديد في الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية والحرص على صرامة تطبيقها، في انتظار اقتناء الجزائر اللقاح، حيث تم اتخاذ تدابير استعجالية لمنع توسع رقعة انتشار الوباء العالمي، حيث أرجع المختصون ارتفاع عدد الإصابات إلى تراخي المواطنين في احترام التباعد الاجتماعي وارتداء القناع الواقي.
آخر جولة من المعركة
 بعد إعلان الرئيس تبون في خطابه يوم 20 ديسمبر 2020 انطلاق حملة التلقيح شهر جانفي، تم استلام أول شحنة بـ50 ألف جرعة من لقاح سبوتنيك-V في 29 جانفي 2021، لتنطلق حملة التلقيح في اليوم الموالي السبت 30 جانفي في ولاية البليدة، تحت إشراف السلطات الصحية التي وضعت شرط بلوغ مناعة مجتمعية 70 بالمائة، لرفع إجراءات الحجر المنزلي الجزئي، بالإضافة إلى تسلمها شحنة من 50 ألف جرعة لقاح استرازينكا البريطاني في نفس الأسبوع.
وبالرغم من التخوف الذي صاحب عملية التلقيح ضد فيروس كورونا، إلا أنه تم تسجيل إقبال من المواطنين على حجز موعد على مستوى المنصة الرقمية، التي أطلقتها وزارة الصحة لتسيير عملية التلقيح بإدخال المعلومات الشخصية المطلوبة، ولا تزال مستمرة إلى اليوم، وعلى مدار شهرين من انطلاقها لم تسجل أي مضاعفات خطيرة على الأشخاص الذين تلقوا الجرعة الأولى والثانية من اللقاح، لتدخل الجزائر بذلك مرحلة جديدة من الأزمة الصحية الاستثنائية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024