الجامعي مريوش حول مظاهرات 5 جويلية 1961

عندمـا يتلاحم الشارع الجزائـري مع قيادته

سهام بوعموشة

«نخطئ أحيانا عندما نجزأ التاريخ ونفرد لبعض الأحداث الاهتمام البالغ دون التعريج على ربط الأحداث بتفاعلات الفضاء التاريخي العام، ومعرفة صيرورة الحدس التاريخي والوقوف عند القواسم المشتركة التي أنتجت الحدث”، هذا ما أكده الدكتور أحمد مريوش أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة في مقاله بعنوان “إرهاصات مظاهرات 5 جويلية 1961”، المنشور في مجلة “المصادر”، مشيرا إلى أن الرأي الداعي لفلكلورية الأحداث يراد من ورائه تمييع الحدث ونقله إلى اللاحدث.

تأسف الدكتور أحمد مريوش، عن أن هذه الظاهرة أضحت تتوسع يوما بعد يوم مستغلة في ذلك غياب المشروع الأكاديمي الوطني لكتابة تاريخ الجزائر وبخاصة تاريخ الثورة التحريرية، حيث تطرق في تحليله العلمي الأكاديمي إلى مظاهرات الخامس جويلية 1961 باعتبارها حدث جاء في إطار تاريخي معين، مما يمكن من التعرف على دوافع الأحداث وردود فعل الإدارة الفرنسية، قائلا:« لا يمكن تجزئة هذه الفترة وتقطيعها عما سبقها من الأحداث، بل هي تواصل وترابط في مسيرة المقاومة الجزائرية ضد المحتل الغاصب”.
 طرح الأستاذ مجموعة من التساؤلات حول هذا الحدث التاريخي منها هل كانت المظاهرات عفوية أم أنها كانت منظمة بإيعاز من جهات أخرى معلومة ومنظمة؟، وحسبه فإنه لاشك أن مظاهرات 5 جويلية 1961 كانت ممنهجة ومنظمة، وهي تعبر عن مرحلة هامة من تاريخ الجزائر المعاصر عشية الاعتراف الفرنسي بعدالة وشرعية القضية الجزائرية.
وأوضح في هذا الإطار، أنه تلازم ذلك جليا بعدما ارتسمت معالم العلاقة الوطيدة التي تربط الشعب الجزائري بممثليه سواء في الداخل أو الخارج، من خلال المحطات الكثيرة للعديد من لقاءات التفاوض بين ممثلي جبهة التحرير الوطني، والمفاوضين الفرنسيين والتي آلت إلى طريق مسدود خلال ماي 1961.
واستنادا لتحليل الأستاذ الجامعي الذي اعتمد فيه، على أرشيف جريدة المجاهد ومذكرات المؤرخ هنري علاق ومحمد بجاوي وبعض المراجع التاريخية، فإن مظاهرات 5 جويلية دعت إليها جبهة التحرير الوطني بعد انسداد الطريق أمام استمرار وسير المفاوضات بعد أن طرحت فرنسا من جديد مشكلة فصل الصحراء الجزائرية عن مناطق الشمال، وتحويلها لمنطقة لها خصوصيات بعيدة عما هو في الشمال بعدما فشلت في طروحاتها السابقة الداعية لتجزئة الشمال إلى أقاليم محددة جغرافيا، معتمدة في ذلك على الوازع العرقي واللغوي والخصوصية الاجتماعية وغيرها.
وبالموازاة مع ذلك، تحدث مريوش عن سير المظاهرات التي شملت عدة مدن كباب الوادي، بئر مراد رايس وبوزريعة، حيث كان المتظاهرون يجوبون شوارع العاصمة  رافعين الأعلام الوطنية، وينددون ضد سياسة التجزئة والتقسيم التي تتعرض لها الجزائر في وحدتها الترابية، والدسائس التي تحاك ضد مستقبل شعبها.
   وقال في هذا الشأن، أنه بالرغم من سلمية المظاهرات إلا أن الإدارة الفرنسية جن جنونها ولم تهضم ذلك التلاحم ومدى الاستجابة التي عبر بها  الشعب الجزائري مع قادة الثورة، حيث أطلق البوليس الفرنسي الذخيرة الحية على المتظاهرين مما أدى إلى سقوط قتلى في منطقة بلكور، ووسع رقعة الغضب الجماهيري واستعمالهم لوسائل عدة للرد على الأمن الفرنسي كالضرب والرمي بالحجارة والزجاجات ومختلف الأواني دفاعا عن النفس، مشيرا إلى أن مظاهرات 5جويلية 1961 كانت أعمق من مظاهرات 11 ديسمبر 1960.
 إنعكاسات  في الداخل والخارج
وأسفرت المظاهرات عن جملة من النتائج الداخلية والدولية التي دفعت بالقضية الجزائرية نحو التسوية الإيجابية، منها تعميق النضال الوطني لدى القاعدة الشعبية وتجميع الرأي العام الجزائري حول وحدة المصير والتصدي لكل الدسائس الاستعمارية الهادفة لإبقاء سيادتها على التراب الوطني، وكذا مساندة مساعي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في تونس من خلال تزكية مطالب الوفد الجزائري.
أما دوليا فقد دفعت المظاهرات بالقضية الجزائرية وكسبت التضامن العالمي من دول المغرب العربي والدول العربية والإفريقية والأسيوية كذلك، وخلص الأستاذ الجامعي في مقاله إلى أن مظاهرات 5 جويلية 1961 تبقى حلقة مضيئة في قوة الشارع الجزائري الذي كان دوما مع قضيته الوطنية يشقيها السياسي والعسكري، وهي استمرار للمظاهرات السابقة الرافضة لسياسة الاحتلال بعد تبلور المطالب الوطنية.
وأضاف أن هذه المظاهرات ما هي إلا تعبير عن التلاحم والتعبئة التي كانت سببا أساسيا في إنجاح الثورة وكسب وتيرة التفاوض الرسمي والشرعي مع الفرنسيين، كما أن صداها تجسد في تعميق روح الوحدة والربط بين قيادة الثورة بالقاعدة الشعبية لإحباط مخططات الإدارة الاستعمارية الهادفة إلى تجزئة الوحدة الترابية والفكرية للشعب الجزائري، وبالتالي قلل من حظوظ فرنسا دبلوماسيا وعجل بها آلة الجلوس إلى طاولة التفاوض المباشر والاعتراف بالمطالب المشروعة للجزائريين، حيث استشهد في هذه النقطة بمقولة الشهيد البطل العربي بن مهيدي:«ساعدوني على إخراج الثورة إلى الشارع وأنا أضمن نجاحها...”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024