انطباعات عائدة من الصين

الصين يدخل القرن الـ 21 بحضارة تعود إلى آلاف السّنين

مبعوثة الشعب إلى بكين: فضيلة بودريش

الإلتـــزام والجــدّ المعـــادلة الصّعبة في التطــــور

تجربة نهضة تستمد من خصوصية وقرار سيادي وشراكة متوازنة مع كل الأقطاب والمجموعات

تدرك للوهلة الأولى وبانبهار أنّك في بلد عملاق حقّق سقفا عاليا من النمو والتطور، تجذبك فيه أسرار مذهلة ذات خصوصية، تمنحك فرصة تلمس بكفيك حضارة تعود لآلاف السنين، والاستمتاع بما توصل إليه من تكنولوجيا نابعة من علوم وبحوث صنعها العقل الصيني دائم الابتكار.
في جمهورية الصين الشعبية يمكنك أن تحلم لتجسّد أحلامك في مشاريع دقيقة، يمكنك أن تكتشف أن الفشل أكذوبة، والسير نحو الأمام بثقة يمكنه أن يمنحك في يوم من الأيام الريادة ويكسبك رهان المنافسة.
التفاصيل في هذا الاستطلاع الذي أجرته “الشعب”  مع العملاق الأسيوي.

هكذا وجدنا الصين في أول رحلة وزيارة عمل للمشاركة في أيام دراسية حول الشراكة الأفروصينية، فالنظام والالتزام والجد المعادلة القوية في يوميات الصيني، الاستيقاظ المبكر في حدود الخامسة صباحا ضروري للكثيرين بمحض الإرادة وبشكل تلقائي، فواجب العمل ورغبة إنجاز المشاريع مهما كان نوعها وحجمها في زمن معقول دافع قوي
فضول اكتشاف العملاق النّائم كما يحلو للكثيرين تسميته، تنسيك مشقة الساعات الطويلة للرحلة التي استغرقت من العاصمة الجزائر باتجاه مطار دبي نحو ستة ساعات ونصف، ثم وعقب فترة انتظار، من مطار دبي نحو مطار بكين حوالي ثماني ساعات وبضعة دقائق، البداية كانت من بكين عاصمة البلد المعجزة ثم جاء التنقل بعد أيام نحو مقاطعة جيانكسي، وبعدها احتضنت الوفد الإفريقي الذي يمثل أربعة دول تحفة الصين المجسدة في عمق صحرائها، ويتعلق الأمر بـ “ننغيشيا” التي تقع في شمال غرب الصين. إنّها المدينة الإسلامية بمقاييس عصرية عالمية بداية من مطبخها مرورا بعمرانها، لتشمل مشاريع واعدة خصّصت للانفتاح على المسلمين والتطلع لبناء شراكات متميزة معهم.  
انطلاقة الاكتشاف دون شك من قلب بكين، ولا يمكن لزائر أن يفوّت فرصة الوقوف على عمق حضارة هذا البلد التي تضرب بقوة في أعماق التاريخ، والتي مازالت مشعّة بإرهاصاتها من خلال معلم متميز يتمثل في القصر الإمبراطوري وكذا السور العظيم، لكن وصولنا المتأخر إلى بكين حرمنا من تلمس السور العظيم واكتفينا بالقصر الإمبراطوري وكذا معلم ضريح القائد ماوتسي تونغ.
وجهته تغريك، معماره يجعلك تبقى مشدوها للكثير من اللحظات، كيف وهو يعدّ أحد أكبر مجموعة من القصور القديمة الخالدة التي تتوسط بكين. ويتوفر القصر الإمبراطوري على حوالي مليون قطعة من التحف الفنية النادرة، وأصبح اليوم متحفا شاملا يجمع بين الفنون المعمارية القديمة والآثار الإمبراطورية، وكذا الفنون القديمة على اختلافها.
ويطلق عليه البعض المدينة القرمزية المحرمة بسبب طغيان اللون الأحمر على تلك القصور المترامية الأطراف، والتي استغرقت عملية إنشائها ما لا يقل عن 14 سنة في الفترة الممتدة ما بين 1406 و1420 م، حيث تتربّع على مساحة تناهز 720,000 م². علما أنّ طولها من الجنوب إلى الشمال يمتد على مستوى 960 م، في حين عرضها من الشرق إلى الغرب يصل إلى 750 م، وتحتل مساحة مبانيها نحو أزيد من 150,000 م²، وما تجدر إليه الإشارة فإن المجمّع يتشكّل بأكثر من 800 مبنى ونحو 8700 غرفة.
ويسيج المدينة القرمزية التي تنتصب في شموخ بأناقة متناهية وبظلال اللونين الأحمر والأصفر، وبوهج عميق ينبض بروح حضارة قديمة، سور طوله لا يقل عن 10 أمتار، وبجانب هذا الأخير نهر اصطناعي يضفي على المكان جاذبية وتناسق حقيقي، ويتعلق الأمر بنهر “هوشنغ” وفي العرف الصيني يطلق عليه بنهر الدفاع عن المدينة، ويتلألأ من أركان السور مقصورات بتصاميم هندسية رائعة.
ولدى تجوّلنا بالقصر وساحاته الواسعة ونحن مزوّدين بجهاز السائح الذي يشرح لك باللغتين الفرنسية أو الانكليزية كل صغيرة وكبيرة عن القصر الإمبراطوري، وقفنا على الجزء الأمامي الذي أقام به الإمبراطور المراسيم الضخمة، بينما في الجزء الداخلي، وعبر قاعاته، كان الإمبراطور يمارس مع عائلته أعماله اليومية والتدافع يكون لالتقاط صور ورؤية كرسي الإمبراطور.
وليس بعيدا عن القصر الإمبراطوري، وبالتحديد في ساحة “تيان آن” بالعاصمة الصينية بكين، يرقد جثمان الزعيم “ماوتسي تونغ” في ضريح زجاجي ضخم، والزائر يمكنه أن يدخل من الباب الرئيسي دون حمل حقيبة، ليمر أمام الضريح ويلقي نظرته، ويظهر الزعيم الصيني بجسد ووجه نائم كونه محنّط ببدلته الرسمية.
يتدفّق عليها السياح ومحترفو التّصوير بانبهار
بالفعل إنها جيانكسي أو جيانغشي المذهلة بغاباتها الكثيفة وبحيرتها الآسرة التي تتخلّلها سلاسل جبلية ومرتفعات طبيعية، وتمنحك هذه المدينة تجارب نموذجية من ذهب، بل الأكثر من ذلك أنه يمكنك أن تحلم بين نطاق أسوار هذه المدينة الخضراء ذات الطابع الفلاحي، بفضل طبيعتها الساحرة التي تسرق سنويا عدد معتبر من السياح خاصة من أوروبا وفي صدارتهم الإنجليز، بل إنّه يسجّل تدفق هائل لعشّاق الصورة ومحترفو آلة التصوير لالتقاط أجمل المناظر، كون العصافير تحلق من كل بلدان العالم حتى من سيبريا لتجنح إلى دفء هذه المدينة التي يمكنك ان تفهم حديثها من صمتها وهدوئها.
يذكر أنّ جيانغشي التي تحتل موقعا وسطا جنوب شرقي الصين. تنتصب على الضفة الجنوبية لمجرى رافدي نهر “اليانغتسي” الأوسط والسفلي، تشتهر كثيرا بجبالها الجميلة ووديانها الفياضة، وعلى الصعيد الإيكولوجي هوائها نقي، وتستقطب العديد من مرضى الربو للاسترخاء والعلاج، كون الغابات تغطي ما لا يقل عن 63 بالمائة من مساحتها، وتزخر بنحو 47 حظيرة غابية وبفعل سحر طبيعتها اتفق على تسمية “جيانغشي” “المهد الأحمر” و«البيت الأخضر”. فكيف وهي مستقطبة لعشاق الطبيعة إليها، ويحترف سكانها بشكل محسوس الخزف يضاف إليها كونها مدينة سياحية وفلاحية بامتياز.
لا نبالغ إذا قلنا بلغة الوصف يذهلك منظرها الخلاب، موقعها وشساعتها، ويمكنك الإبحار عبر صمتها وعمقها بحثا عن المتعة ونقصد بذلك “بحيرة بويانغ” التي تعدّ أكبر بحيرة مياه عذبة في الصين، حيث تتربّع على مساحة تقدّر بـ 5100 كم² وتعرف بمناخها اللطيف، وهذا راجع كون جبالها تلبسها خضرة دائمة وتكتنز في عمقها على قدر كبير من المياه العذبة. كل ذلك أهّلها لتكون دون منازع أهم مركز للإنتاج الفلاحي، وتبقى المقاطعة المموّن الأول للعديد من المعادن في الصين، نذكر منها النحاس والتنجستين والتنتالم واليورانيوم والأتربة، وما إلى غير ذلك.
وتمكنّا من اكتشاف التحفة البحرية أو البحيرة المائية التي تتوسّطها مساحات غابية خضراء ومرتفعات جزء منها شكل اصطناعيا، لكنه جد متناسق عبر باخرة، قطعنا فيها العشرات من الكيلومترات
تجارب فلاحية رائدة تنفتح نحو التعاون
كم هي التجارب الفلاحية والصناعية المذهلة والرائدة التي وقفنا عليها بالصين، وأبرزها المؤسسة الفلاحية العصرية التي تقع في محيط ونطاق جيانغشي، وتنبهر كثيرا لتلك البساتين التي تترامى وراء بنايات المدينة الصغيرة، التي يقطنها ما لا يقل عن 3700 ساكن ومساحتها تقدر بـ 36 كلم.
بساتين البرتقال تصطف في انتظام من المنخفض نحو المرتفع، وكل شبر من الأرض مستغل بشكل مدهش، وتعد ذات المزرعة نموذجية وجد ناجحة بالصين بالنظر إلى الإنتاج الذي توفره، ويبدي الشريك الصيني، استعدادا من أجل تجسيد تلك التجربة الرائدة في علاقات الشراكة التي يتطلع لبنائها مع الدول الإفريقية على وجه الخصوص، علما أن مداخيل الفلاح الواحد من هذه المزرعة لا يقل عن 100 ألف “يون صيني” أي ما يعادل 16 ألف دولار سنويا.  
ومن ضمن ما زاره الوفد الإفريقي مجمع “زينغ بانغ”، والمتمثل في المؤسسة التجريبية للصناعة الزراعية التي حققت تميزا كبيرا بفعل ما تنتجه فلاحيا، والطرق التي تبتكرها لترقية الإنتاج الفلاحي من زراعة وتربية الدواجن بنوعية جيدة. يمكن لهذا المجمع الذي يقدّم منتوجا زراعيا بـ 8 أنواع من الخضار ذات جودة عالية أن ينتج كل ما هو أخضر من خضار وسلطة، ويسوقها عبر الأسواق ويمون بها الفنادق، وإذا حدث وأن قدمت للسوق خضار مزيفة أو بنوعية رديئة يمكنه من خلال مخابره المتطورة أن يحدد الجهة المسؤولة عن ذلك.
ولدى المجمع الذي يشغل نحو 200 عامل مشاتل من أجل البذور وتحضير الأسمدة، ومخابر من أجل تربية الدجاج بطرق جد متطورة، ويطمح القائمون  على هذه التجربة النموذجية مستقبلا لرفع رقم أعمال المجمع إلى 100 مليار يان والرفع من عدد العمال إلى 800 عامل والسير نحو زراعة الأرز وإنتاج الشاي.
ويتطلع نفس المجمع مستقبلا لفتح مؤسسة تختص في كل ما هو كيميائي من أجل توفير الأسمدة، وأغذية الدجاج وما إلى غير ذلك، وتركز في استراتجيتها على الاستثمار بشكل كبير في الموارد البشرية.
وتهتم هذه المؤسسة الرائدة في الصين كثيرا من أجل تصدير تجربتها الناجحة إلى الدول الإفريقية على وجه الخصوص، ومن المنتظر أن تجري أبحاثا بكل من كينيا والسنيغال وأثيوبيا و كندا.
وآخر جولة كانت باتجاه معبد “تايجي” الذي تحول إلى متحف يتدفق عليه السياح ومعماره يعود إلى التراث الصيني القديم، ينتصب بأناقة ومزين ببراعة بين أدراجه العريضة بحيوانات مختلفة على غرار الفيل والأسد، يتألف من عدة طوابق وفي آخر طابق، قاعة المسرح حيث تقام في المساء العروض الفلكلورية للرقص الصيني وكذا الغناء من التراث الأصيل.
«نينغشيا” تحفة الصّين ومستقبل الشراكة مع الدول الإسلامية
«نينغشيا” أو مستقبل الشراكة الصينية مع الدول العربية والإسلامية، هذا ما يتأكّد منه الزائر إلى هذه المقاطعة الصينية المستقلة أو ذات الحكم الذاتي. لأول وهلة، وبمجرد أن تسحره أضوائها وتجذبه حضارتها وينبهر بمدى تطورها، وفوق كل ذلك تخصص مشاريع ضخمة وعملاقة لاحتضان المسلمين وبناء شراكات وتوطيد علاقات تعاون مثمرة معهم.
يؤكّد المؤرّخون أنّه منذ القرن الثالث عشر، تدفق العرب والفرس والعديد من سكان وسط وغرب آسيا إلى الصين، واندمجوا مع أهالي قومية هان وغيرها من القوميات الصينية، فتشكّلت بذلك قومية هوي التي تؤمن بالدين الإسلامي، لذا يطلق اليوم على منطقة نينغشيا “بالمقاطعة الإسلامية”، وساهمت هذه الأخيرة في ثراء الحضارة الصينية خاصة بنينغشيا.
وتقف هذه المقاطعة بشموخ على هضبة، يتدفّق عبرها النهر الأصفر، ويمتد على حدودها الشمالية الشرقية سور الصين العظيم، وعاصمتها تسمى “وينتشوان”.
يحدّها شرقا شنشى ومنطقة منغوليا الداخلية من الشمال، ومن جميع النواحي قانسو. تقدّر مساحتها بـ 66400 كيلو متر مربع، وتعد أصغر المناطق من حيث المساحة وسط المقاطعات الصينية. يذكر أن مقاطعة نينغشيا أنشأت سنة 1954 وألحقت بمحافظة “قانسو”، قبل أن يتم فصلها ويعاد تشكيلها كمنطقة ذات حكم ذاتي. ويروى أن هذه المنطقة الصحراوية تقع بعض مساحاتها في سهل واسع يتمركز في الشمال، واستفادت من السقي من النهر الأصفر منذ قرون، إلى غاية بناء نظام واسع من القنوات سمحت باستصلاح الأراضي وتجسيد مشاريع ومضاعفة القدرات الفلاحية.
تتطلع هذه المقاطعة الساحرة من أجل تجسيد إقلاع اقتصادي حقيقي من خلال إرساء إستراتيجية جارية السيران بهدف إنجاز مركز ضخم لإنتاج وتصدير الأطعمة الإسلامية الحلال، وكل ما تحتاجه البلدان الإسلامية من مستلزمات.
قيل لنا في هذه المدينة المتميزة بمعمارها وحضارتها التي تشتم منها روح الحضارة الإسلامية، أنك في كل فندق تنزل به أو مدينة تحط بها الرحال يقدم لك طبخ المسلمين، والأهم من ذلك أنه يولى الاهتمام بكل ما يحضر من بلاد المسلمين.
والوجهة الأولى من المطار نحو قصر الثقافة الإسلامي الذي يحمل تسمية “المنصور”، وبعد تناول وجبة غداء ببعد إسلامي ممزوج بالمطبخ الصيني، تم التوجه لاكتشاف قصر الثقافة، الذي يضم متحفا يختزل مسار وتاريخ الحضارة الإسلامية التي مرت على الصين وحطت رحالها بهذه المقاطعة، إنه المتحف أو الذاكرة سواء بما يحفظه من بقايا التراث أو ما تم تجسيده بشكل إيكوغرافي على غرار تصوير عن طريق التجسيد رحلات العرب الأولى على ظهر الجمال من الجزيرة العربية نحو الصين، بالإضافة إلى الأواني القديمة التي تعود للحضارة الإسلامية من نحاس وطين وكذا العملات القديمة وتوابل وبخور العرب والأباريق النحاسية وأحصنة مصنوعة من الفخار تشهد على أصالة الخيل العربي، بالإضافة إلى السرج الخشبي. وينقسم المتحف إلى عدة معارض، ففي المعرض الثاني يقع بصرك على مصاحف قرآنية قديمة وحديثة الكتابة، ويستعرض المعرض الثالث شرحا مستفيضا لتكوين قومية “هوية المسلمين الصينيين وخصائصها الثقافية والوقوف على جذورها التي تشكلت من خلال المسلمين القادمين من الخارج.
وخلاصة القول أنّه متحف عالمي للمسلمين ومعرض مخصص لهم يتواجد به مركز للتقاليد الشعبية الإسلامية ومعهد مهني إسلامي بالإضافة إلى مأوى للأيتام، وينتصب متحف منطقة “نينغشيا” الجديد في مدينة “ينتشوان” عاصمة المنطقة ويعتبر أكبر متحف شامل في المنطقة كونه يعرض تراثا ماديا وثقافيا غير مادي نادر وثمين، بالإضافة إلى تاريخ المنطقة الطويل العظيم على نحو مركز مما سلط الضوء على منتجات طبيعية وثقافة وحضارة القوميات في مقاطعة نينغشيا من العصور الماضية إلى الوقت الراهن.
وبالقرب منه ، ينتصب مسجد “ننجاكسي” مجسد بمعمار إسلامي بحت، تشعر بالفعل بأنك في بلد المسلمين إنّه مشيّد بطريقة مذهلة، مسجد شامخ وضخم ويستقطب عدد معتبر من الزوار، وبالقرب منه محلا تجاريا يعرض الهدايا التذكارية وفضاءات للراحة. لكن مسجد “نجاحو” الذي شيد في سنة 1524 بمعمار صيني بحت ويطغو عليه اللوم الأحمر القرمزي، يتربّع على مساحة تناهز الـ 1112 متر مربع، ويتّسع لاستيعاب 1500 مصل، وقال الإمام الذي يتقن فقط اللغة الصينية أنه خلال السنة الفارطة حضر ملك الأردن للمنطقة وصلى بالمسجد.


هكذا يواجه زحف الرّمال على البساتين
وفي اليوم الموالي قطعنا العشرات من الكيلومترات نحو المزرعة الغابية النموذجية الكائنة بصحراء “نينغشيا” التابعة لمدينة “لانغو”، ويحلو للصنيين تسميتها بالمنطقة الطبيعية، ففيها أجرت تجارب علمية ناجحة في مكافحة زحف الرمال على بساتين الفلاحين وحماية زراعتهم، والتقليل من خطرالرياح التي يعاني من آثارها السكان المزارعون. وتتوفر هذه المنطقة على ثلاث صحاري ويتعلق الأمر بصحراء “إينشان” وصحراء “أولمبور” وصحراء “ماوسو”، وتوجد في هذه الغابة نحو 360 نبتة و555 حيوان، علما أنّه تمّ استعمال تقنيات خاصة لمواجهة الرياح الرملية وتسريع عملية نمو الأشجار، حسب ما أكده مدير المنطقة الطبيعية السيد “وان يو”، الذي رافقنا في الرحلة وزوّدنا بكل الشروحات ومنحنا فرصة تذوق ثمار المشمش اللذيذة من أشجار بساتين الفلاحين.
وتقدّر المساحة المزروعة بالأشجار المثمرة نحو 600 ألف متر مربع، واستعملت تقنيات خاصة لمواجهة الرياح الرملية، وبفضل الجهود صنفت المزرعة كتجربة نموذجية في منطقة إيكولوجية يتدفق عليها الباحثون في مجال الزراعة، حيث تنظّم سنويا نحو 20 ألف زيارة للأجانب سنويا للوقوف على الانجاز، ويحضر منهم الكثير من الباحثين من دول أجنبية على غرار الجزائر وتونس وكوريا الجنوبية، وتقدّر مساحة البساتين بـ 6 كلم مربع، ويشتغل بها 300 عامل.
ومن أجل صد الرياح الرملية تغرس الأشجار بطريقة مذهلة، حيث يقسم المكان إلى مربعات واسعة، وتحمى بمادة تشبه التبن حتى تكبر الشجرة قليلا، علما أن كل مزارع توكل له في تحدي الاستصلاح مهمة غرس 10 آلاف شجرة سنويا. وكشف مدير المنطقة الطبيعية ذات المقاييس الإيكولوجية أن نسبة نجاح نمو الشجر المغروس تقدر بـ 60 بالمائة، والتغطية اليوم تناهز 85 بالمائة من عملية التشجير خاصة بالبساتين المثمرة على غرار المشمش والتفاح، وهيأت جميع الظروف في صدارتها تعبيد الطرقات.
وفي الشق الطاقوي وقف الوفد على عدة محطات متميزة و عملها وتكنولوجيتها تلفت الانتباه من بينها قاعدة الطاقة الصناعية الكيميائية “بننغدون” والتي تمتد على مساحة لا تقل عن 10.4 كلم مربع ومقسمة إلى 3 أقسام، ويتعلق الأمر بالسكة الحديدية والطرق المعبدة ومؤسسة النقل وقسم للتكرير وتتولى مهمة التكرير الطاقوي 8 أفواج بطاقة 2 مليون طن بالإضافة إلى وجود جزء مخصص للتخزين بطاقة 5 آلاف طن، ودائما يأخذ بعين الاعتبار المقاييس الايكولوجية.
يذكر أنّ المنطقة الصناعية البتروكيماوية تتربّع على مساحة تناهز 3500 كلم مربع، ويمر غير بعيد عليها النهر الأصفر ويتم تخزين الفحم ليستخرج منها الطاقة، وتأسّست هذه الحظيرة الصناعية لإنتاج الطاقة سنة 2003.
علما أنه في آفاق عام 2020 ينتظر أن يصل إنتاج الفحم إلى 41 مليون طن، حيث يحول الفحم إلى عدة مواد كيميائية، ويستخرج منه الغاز الكيميائي بالإضافة إلى استخراج 15 مادة كيميائية بواسطة الآلات.
شوارع صينية تتحدّث اللّغة العربية
لا نبالغ إذا قلنا أن الشارع في جميع نينغشيا يتحدث إلى الزائر باللغة العربية رغم أن السكان الكثير منهم لا يتقنونها، بالنظر إلى تلازم لغة الضاد مع اللغة الصينية في اللافتات والإشارات، فتسميات المناطق يمكن أن تقرأها باللغتين عبر الطرقات السريعة، وفي صدر المساجد وبعض الفنادق وقصر الثقافة وفي الجامعة الاسلامية.وما شدّنا من إنجازات، تمكّن مقاطعة “نينغشيا” بفضل استراتجيتها الذكية من جذب السكان إلى منطقة فلاحية غير مأهولة بالسكان وإنشاء قرية “هشن”، ونجحت في بناء سكنات وتوفير جميع المرافق الضرورية بداية من روضة الأطفال إلى غاية منح قطع أرضية في شكل بيوت بلاستكية محمية ببنايات، كطريقة وحيلة للتشجيع على تعمير وخدمة الأرض، علما أنّه نهر يفصل بين جانبي الرمال وتنمو الأشجار بين جانبيه.
واستفسرنا على سر بناء بيوت بلاستكية بالأحجار ثم تغليفها بالبلاستيك، فتم إخبارنا بأنه للاحتماء من قوة وخطر الرياح الرملية، ويمكن للآلاف من الفلاحين الذين يقطنون المساكن المتشابهة وذات المساحة الواحدة أن ينتجوا الخضر والفواكه في الفصول الأربعة، وتستعمل الأسمدة الطبيعية للحيوانات.
وتنجذب كثيرا للتألق المحقق بفضل هذه القرية النموذجية، حيث أحضر المواطنون من الجبال خاصة أولئك الفقراء ودون مهنة وفتحت لهم مساكن، وقدم لهم العمل وصاروا ينتجون ويساهمون في تموين السوق وإعالة عائلاتهم الفقيرة، هذا ما أكدته لنا “هجلة” مستفيدة من المشروع وأم لأطفال. وفي الروضة يلقّن الأطفال في جو دافئ فنون القراءة والرياضة والتربية، حيث يسجّل تواجد 100 طفل موزعين عبر 4 فصول يؤطرهم 15 معلم، والروضة مؤثثة ومزودة بجميع الوسائل البيداغوجية، وتشعر فعلا أنك في روضة لعاصمة متطورة وليس روضة تتواجد بمنطقة نائية.
ويسجّل بذات المقاطعة 4 جامعات، تتّسع لـ 25 ألف طالب وثانوية بنظام داخلي مجاني، والفقراء يتلقون إعانات في دراساتهم الجامعية.
ومن أهم المؤسسات التي تزخر بها المقاطعة وتتطلع بدورها للشراكة الخارجية المؤسسة الطاقوية لصنع المولدات “توربينات”، حيث عملت في البداية مع “ميتسوبيشي” ثم استقلت بذاتها، وتمكنت من تصنيع 200 توربينة بطاقة 2.5 ميغواط و80 توربينة بطاقة 1.5 ميغواط سنويا، وتتطلع مستقبلا للتصدير.
هوائي ملتقط للطاقة الشمسية للمنازل والفيلات
وتحتل محطة الطاقة الشمسية التجريبية بينشوان المنشأة من طرف مجمع الطاقوي بننغيشيا والتابع لمؤسسة الألمنيوم الصينية المرتبة الرابعة من حيث الإنتاج في الصين، حيث لديها قدرات ووحدات لصنع الألواح الشمسية، والأهم في كل ذلك أن ذات المؤسسة تجري باستمرار الأبحاث لتطوير الألواح الشمسية، وبعد صنعها تشرف على عملية تثبيتها، بفضل معهدها المخصص للأبحاث وتحرص كثيرا على ضوء الأبحاث على ترقية أرضية التثبيت، والصادرات التي تعرف بالجودة من هذه المؤسسة توجه اليوم نحو أستراليا، علما أن قدرتها الإنتاجية وصلت إلى سقف 330 ألف واط. وتوّجت أبحاث معهد المؤسسة بتصميم وصنع هوائي ملتقط للطاقة الشمسية للمنازل والفيلات، وزوّد عمل الألواح الشمسية بنظام لامتصاص أي تلوث، وتمون الصين بالكهرباء من الشرق إلى الغرب وإلى مقاطعات أخرى.
وفي الشق الصناعي وقف الوفد على إنتاج مجمع الصناعة الغذائية “هوشنغجي” الذي دشّن في سنة 1983، ومقسم إلى عدة وحدات، حيث تصبر الخضر والأسماك باحترافية عالية، وتعطر بالتوابل والملح
ويعترف بأنها أحسن المؤسسات الغذائية في الصين بالنظر إلى جودة إنتاجها.
والجولة الرائعة بامتياز تلك التي قادت الوفد نحو “البيت الأخضر” أو الحظيرة الصناعية النباتية بـ “هلن”، التي توجد بها كافة المرافق بما فيها مطعم وأجمل صور حدائق وباقات الأزهار يمكنك أن تقف عليها في هذه الحظيرة.
ويمكن لأصحاب المشاتل أن يستقوا الأفكار والحيل والطرق المتطورة للغرس والسقي بالتقطير، ولا تقتصر النباتات في هذه الحظيرة على الأزهار بل تشمل كل ما هو أخضر من خضروات والنباتات التزينية.
أما المشروع المستقبلي الاستراتيجي الذي مازالت تجري به الأشغال المتقدمة، المدينة التجارية الدولية ذات الآفاق الدولية، أنشئت لاستقبال العرب والمسلمين لتنظيم المعارض وتطوير الشراكات، ويبنى في الوقت الراهن هذا المشروع الذي تقدمت به الأشغال، على مساحة تناهز الـ 300 هكتار، وجاء الحرص لبناء فندق للمسلمين ويتعلق الأمر بقصر المسلمين العظيم. وتزخر المدينة ببرج وحديقة نباتية
ومائية، والمدينة مزودة بجميع المرافق للتسلية والراحة والتجارة وما إلى غير ذلك وخصصت لاحتضان المسلمين على وجه الخصوص.

المقاطعة الواعدة في سطور
يحق لمن وقعوا في أسرها بوصفها لؤلؤة الصين التي لديها جميع المؤشرات وكل الإمكانيات، لتكون المقاطعة الأهم على الصعيد الاقتصادي وفي بناء الشراكات مع دول العالم الإسلامي. ننغيشيا تتربّع على مساحة تناهز 6470000 كلم مربع، ففي سنة 2012 أشارت الإحصائيات إلى تحقيق إنتاجها الفلاحي نموا طيلة تسع سنوات متتالية ليبلغ 3750000 طن، وتمّ تصدير المنتوج الفلاحي لنحو 92 دولة ومنطقة، بالإضافة إلى امتلاكها لاحتياطات معتبرة من الفحم وعدة ثروات أخرى. ونيغيشيا بشكل عام منطقة جافة، مناخها ذا طابع صحراوي. وبفضل أنظمة الري الحديثة ساهمت في ري الحقول خاصة بساتين الأشجار المثمرة وبدأت في الازدهار.
والانطباع القوي الذي يبقى راسخا التطور الذي بلغته الصين من جميع النواحي، وتحفته “ننغيشيا” بصمتها وهدوئها وثرائها وعطائها الفلاحي والثقافي، تشعر أنّها مدينة رغم طابعها الصحراوي وقساوة مناخها أمام تحدي تبوأ مكانة عالية في جميع المجالات. ولعل تأكيدات وإرادة المسؤولين على مكتب الشؤون الخارجية لهذه المقاطعة بتطوير المنتدى الاقتصادي والتجاري العربي الصيني الذي نظم في 3 طبعات سابقة، يعكس الاستراتيجية في هذه الدولة من أجل تكثيف تعاونها مع إفريقيا والدول العربية، موجهين الدعوات لتفعيل التعاون، كاشفين أنّ 10 مؤسسات بهذه المقاطعة لديها علاقات شراكة مع إفريقيا الشمالية والشرقية.  
وفي الصين وقفنا على الاهتمام بالفلاحة الإفريقية وبالأكلات العربية، وعلى وجه الخصوص بالزيوت الغذائية، والنبيذ الجزائري، وأرسلت دعوة خاصة لفتح مطاعم جزائرية ومغاربية بهذه الدولة

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024