الكاتبة صليحة نعيجة في حوار مع «الشعب»:

أعود كل رمضان لمرابع الطّفولة لأتجدّد برائحة أصيلة وأستحضر الماضي

قسنطينة: أحمد دبيلي

  الحراك حرّرنا ومنحنا جرعات كبيرة من الأمل

 في شهر رمضان الفضيل الذي تزامن هذه المرة مع الحراك السياسي الذي تشهده الساحة الوطنية، خصّت الكاتبة والشّاعرة «صليحة نعيجة» يومية «الشعب» بحوار تحدّثت فيه عن يومياتها وسهراتها الرمضانية، وكيف يتعامل المثقف مع هذا الوضع الجديد وهو يتابع الأحداث أو يشارك فيها ؟ تحدثت أيضا عن الأنشطة الأدبية والفنية والبرامج التلفزيونية وجديدها في عالم الكتابة والتأليف..إجاباتها في هذا الحوار تميّزت بالجرأة التي تتّصف بها شخصية هذه الشّاعرة المثقّفة. 

- الشعب: كمثقّفة، كيف تقضي صليحة نعيجة شهر رمضان الذي يتزامن هاته السنة مع الحراك؟
❊❊ الكاتبة صليحة نعيجة: لنعترف أولا، أنّ رمضان لهذا العام له نكهته الخاصة جدا، فرض إزاء الله وفرض إزاء الوطن، ولهذا لا يخلو ضمير أي مثقف جزائري من التوجس والتخوف والتفاؤل والطموح للتغيير بالدعاء، والتضرع إلى الله ليحفظ لنا سقف الوطن ويحمينا من شر الفتن، ويبعد عنّا لؤم المتربّصين يسلمنا سواء بالداخل أو الخارج..الحراك أعاد لنا الروح وبعث فينا الأمل بعدما نخر الخوف أرواحنا وسكننا، ولبثنا عقودا نستحضر العشرية السوداء و نؤمن بالأيادي الأجنبية التي أوهمونا بها..لقد تزامن رمضان بهاته الهبة الجميلة التي تعزف لحن الأساطير والثورات لتستحق لقب الملحمة، فحررتنا من الخوف ومنحتنا جرعات أمل للتخلص من التردد والسعي لمستقبل آمن يقوده المواطن بكل ثقة..طبعا أنا كمثقفة لا أفصل نفسي عن المواطن لأنّني «هو» بالنهاية..لا أسكن ببرج عاجي فهمومي من هموم المواطن العادي، «الأستاذ، الطبيب، المهندس، الجمركي، الشرطي، الحرفي...
-  ما الجديد الذي أتى به الحراك في أحوالك كمثقّفة؟
 أحمد الله أنّ الحراك وحّدنا على المطالب، ووحّد الصفوف وأسقط الألقاب لتعود الكلمة لفخامة الشعب الذي حرر النخبة التي كانت تنظر وتكتب وتفكر ونادرا ما تثور إما خوفا على مصالحها أو جبنا منها..لكن هذا الخوف تبدد مع ثورة 22 فبراير وصارت المطالب واضحة..كنت أعتقد أن الشعب سوف يتعب برمضان بحكم الصوم لأنّه «يرمضن» عادة، لكن إصراره العجيب يؤكّد لي يوما بعد يوم أن لهاته الأرض ربّ يحميها لأنّ هذا الشعب استفاق ليتحرر من الخوف دفعة واحدة كي تعيش الأجيال القادمة في كنف الأمان، الحرية، العدالة،الديمقراطية بعيدا عن الفساد وعلله، لهذا فنكهة رمضان هذا العام مميزة لا تخلو من الترقب والتفكير والتأمل والحذر الطبيعي والحتمي.

- ما هي العادات التي تميّز يومك خلال هذا الشّهر الفضيل؟
 يومياتي برمضان هذا العام عادية و لو أنها أرهقتني كثيرا بحكم العمل، الامتحانات، الحراسة، التصحيح. لكن غالبا أبرمج نفسي على رزنامة كأي امرأة صائمة ومسؤولة، أذهب إلى السوق لأقتني لوازم «القٌدر» وأتفنن في التسوق، أحيانا أخرج أكثر من مرتين بحجة أنّني اشتهيت طبقا رأيته على «النت» أو التلفاز، وأصر على أكله بنفس اليوم نوع من «الحرنة»، فشهر رمضان السوق التزام يومي ومبرمج من سنوات، (نهارا)...قد أبتاع ما لا أحتاج إليه أيضا وعندما أعود الى البيت أستغرب وأتساءل ما الذي سأفعله بهذا وذاك؟ وسط انفجار أمي بالضحك عليّ تارة والاستغراب تارة أخرى، وهي تقول لي أأوااااااااه أنت «غالبك رمضان تاع الصح».
-   وما أحوال الإبداع والكتابة؟
 رمضان «أيضا» هو فرصتي الوحيدة لخلوة مطولة مع النفس، هو موعد للنهوص والعودة لذكرياتي الجميلة جدا بهذا الشهر الفضيل الذي أدركته واكتشفته وعرفته بالطفولة وعشت أجمل أيامه، لياليه، طقوسه، قيمه، وروحانياته وأجمل عاداته وتقاليده بالمدينة العتيقة...لا أدري كيف تعود بي الروح لتلك الأجواء فأتذكر جيراننا القدامى وأصدقاء الطفولة..لهذا تجدني أول ما أفعل بهذا الشهر هو العودة لمرابع الطفولة والمراهقة لأتجدد برائحة أصيلة، وأستحضر ماضي المدينة الجميل بأناسها الطيبين...هذا العام تصادف مع الامتحانات وبالتالي أرهقني التنقل لمكان العمل لهذا قلّلت من تحركاتي واكتفيت بالتجول في الأسواق القريبة منى بعد نهاية الدوام..أحيانا آخذ قسطا من النوم وأخرج للسوق أكون أكثر تركيزا بعد أن تقل الحركة من الناس وتخف الجلبة وتنزل الأسعار..
بعد الفطور والصلاة تبدأ سهرتي مع صينية القهوة التي لا أقاوم إغراءها، فأجدني أتلهف لها وتتلهف لي وكأني معها على موعد غرامي (ههههه)، فلهفتي إليها أضعاف لهفتي للطعام والماء والفواكه والتحليات...لا شيء يعادل فرحتي ونشوتي أثناء تناول القهوة.
-   هل تتابعين الأنشطة الأدبية، الفنية والسّهرات الرّمضانية؟
 لست من هواة الخروج ليلا ربما مضطرة بحكم العادات العائلية والعرف الاجتماعي وطبيعة المدينة..أتمنى فعليا لو أنني استطيع حضور مسرحية لولعي بهذا الفن..كنت أتمنى لو أنني استطيع الخروج للاستمتاع بحفلة «مالوف، عيساوة»..ولكن طبيعة المدينة التي عودتنا على النوم باكرا حرمتنا أيضا من اكتشاف سحرها ليلا بسبب البعد...عدم توفر المواصلات.. العقلية الذكورية المهيمنة وبالتالي استسلامنا لهاته العادات يعد غريزة ثانية لا أرفضها ولا تزعجني أيضا.
هنا أكتفي فقط بمتابعة التلفاز، وقد شد انتباهي مسلسل تاريخي رائع أتابعه بكل جوارحي وأتحدث تحديدا عن «مقامات العشق» سيرة محي الدين ابن عربي، وقد تطرّق لمراحل تاريخية مهمة من حقبة الأندلس، بداية تغلغل الأسبان أو الافرنجة كما يسمونهم وسط العرب والمسلمين وتعايشهم معهم كبداية لإسقاط حكم العرب بالأندلس وفق خطة محكمة..تغلغلهم وسط العرب لمعرفة نقاط قوتهم وضعفهم لزرع الفتنة بينهم  وهذا الذي حصل فعلا لاحقا..هاته العوالم تستهويني كثيرا، لهدا أتابع الحلقات وأجتهد في مقارنة معلوماتي عن تلك الحقبة بما أشاهده هناك نقاط عديدة أسقطها المؤلف والمخرج عن التطرف في الدين الذي يؤدى الى الإرهاب و تدمير الأوطان باسم الدين...مسلسل جميل ومشوق وساحر لعشاق المسلسلات التاريخية..
كما أتابع سيرة الحلاج بمسلسل العاشق وصراع الجواري، كما تابعت عدة حلقات من مسلسل الكاتب ولكنني سريعا شعرت بالملل؟ فتوقفت عند الحلقة الخامسة وأنوي العودة إليه من خلال «اليوتوب»؟
- كيف يتعامل المثقّف بوجه عام مع الوضع الرّاهن؟
  نعم، هذا مؤكد وبديهي..المثقف يتابع الأحداث و يتابع التدخلات ويقارن الذي يحدث بما يخدم مصلحة البلاد والعباد..كوني صامتة بالأسابيع الأخيرة للحراك وأكتفي بالمتابعة لا يعني غياب الموقف لأن الأسابيع الأخيرة ظهرت سلسلة أحداث غيّبت الحلقة المفقودة التي ضيّعتها وأنا منهمكة مع الامتحانات والحراسة وتعب كل ذلك مع الصوم..شاركت في الأحداث بأسابيعها الأولى عندما كانت المطالب واضحة جدا بعدها صرت أتريّث كي لا أظلم أحدا ممّن يتحدثون باسم المثقف، باسم الحراك، باسم الوطن.
و لكي أتحدّث كمثقفة عليّ أن أكون قريبة جدا من المثقّفين لكنني اعتزلت هذا الدور..فعليا فقدت الثّقة بمعظمهم ولا أراهم إلا بيادق تحرّكها أطماع شخصية، وإلا فلماذا لم تتحرك قبل هذا اليوم؟ حتى إضراب الطلبة يكاد بضع مضجعي ولا أفهم أي إضراب هذا الذي يخدم الحراك والطالب هو الخاسر الوحيد بالمسألة، وهو الوحيد الذي ضيّع عامه الجامعي في حين كل القطاعات الأخرى تعمل وتدرس وتنتج و تتقاضى رواتبها والحراك مستمر.
-   طبقك المفضّل في رمضان؟
 أحاول قدر المستطاع ألاّ أشتهي شيئا، وهذا مستحيل طبعا، ففي الحقيقة أنا «سخافة بزاف..بزاف» لكن نهارا وبعد الإفطار يتبدد الأمر تماما...أشتهي كل شيء وأي شيء؟ لكن يظل الطبق المفضل هو «شباح الصفراء» ودون منازع ككل أبناء قسنطينة وبناتها. أحبّها كثيرا لكن مرة واحدة فقط ودون نهم مبالغ فيه، أركّز برمضان على الأكلات الخالية من الدهون وأقاوم إغراء الحلويات كثيرا، ونادرا ما أنجح بهذا الدور البطولي، وأعوّضه بالأكلات الغنية بالبروتين والفيتامينات.
- ما جديدك في عالم الكتابة والتّأليف؟
 قد كنت أعاني قبل هدا العام ومنذ 14 شهر بالتمام والكمال من عزوف تام عن الكتابة، ولكنني تمكّنت من اصطياد فكرة ونبض، وأنوي التركيز أكثر للعودة بقوة إلى الكتابة والترجمة.
أحرص على تدقيق مجموعة شعرية ستصدر قريبا جدا «حارسة الجمر»، وأنتظر صدور ترجمة لعمل أدبي من الانجليزية إلى العربية..ترجمة لطالما انتظرتها وسوف يتم الإعلان عنها في الأيام القليلة القادمة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024