صــدر ضمـن سلسلة “ترجمـان”

كوابيس الإبادة.. سرديات التوجس ومنطق الفظائع الجماعية

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب كوابيس الإبادة: سرديات التوجس ومنطق الفظائع الجماعية، ضمن سلسلة ترجمان، حرره عبد الوهاب الأفندي وترجمه مع بدر الدين حامد الهاشمي، ويقع في 448 صفحة، شاملًا مقدمة الترجمة العربية للمحرّر وتمهيدًا وتقديمًا ملاحظات ختامية وفهرسًا عامًّا، إضافةً إلى قائمة جداول وأشكال وصور. وقد أدرج المحرّر الجداول والأشكال والصور في متن الكتاب، بدلًا من إدراجها في ملاحق آخره.

يناقش الكتاب ظواهر العنف المكثّف والمتعاظم، ويقدّم مقاربة جديدة لفهم دوافع الأفراد “العاديين” للمشاركة في أعمال العنف المتطرف، محاجًّا بأن سرديات انعدام الأمن تؤدّي دورًا محوريًّا في جعل هذه الأفعال مبرّرة أو بطولية. ويجمع بين التفسير النظري ودراسات حالة من أربع قارات، ما يشكّل اختراقًا نوعيًّا في مجال دراسة العنف الجماعي. وقد قدّم له فرانسيس دينق، المستشار الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، مشيدًا بقيمته العلمية.
وفي تقديمه للترجمة العربية للكتاب، يرى المحرر في ما يحدث في غزة اليوم تأكيدًا لهذا الإطار التفسيري، فقد اكتسبت كوابيس الإبادة وسرديات الفزع بعدًا جديدًا، عندما طرحت حكومة الكيان هجوم 7 أكتوبر 2023 من جانب حماس باعتباره أكبر تهديد لوجود الكيان الصهيوني، وسوّغ بذلك الإبادة الجماعية الفعلية التي يرتكبها في غزة اليوم.

جـذور البحـث والسيـــاق السياسي بعــد 11 سبتمــبر

ينطلق الكتاب من التجربة البحثية الطويلة للمحرر عبد الوهاب الأفندي، التي بدأت قبل أحداث 11 سبتمبر، والتي تتناول ظواهر العنف الجامح، مع ربطها بمفاهيم الديمقراطية والإسلام السياسي. وقد تطوّر الأمر ليشمل بحوثًا أكاديمية في جامعة ويستمنستر، وسط تصاعد ربط الإسلام بالإرهاب، وانتهى إلى فرضية مركزية مفادها أن “سرديات التوجس والخوف” هي المحرك الأساسي لأعمال العنف المكثف، سواء من الدول أو من الجماعات أو من الأفراد، حيث تقوم هذه السرديات على خلق خطر متخيّل أو تضخيم خطر حقيقي، غالبًا بناء على الهوية، الأمر الذي يؤدّي إلى دائرة عنف ذاتية التعزيز. وتتناول مساهمات المؤلفين المشاركين في هذا الكتاب تطبيقًا للنموذج التفسيري على حالات كثيرة مثل: الصراع الفلسطيني - الصهيوني، والحروب في يوغوسلافيا، والنزاعات في السودان ونيجيريا والهند، وصعود الإسلاموفوبيا في الغرب. ويُظهِر الكتاب أنّ النخب الفكرية والسياسية والإعلامية تؤدي دورًا أساسيًّا في إنتاج هذه السرديات.

إطـار نظـري جديـد: الأمننـة المفرطــة والعنــف المنفلــت

استند المؤلف إلى “نظرية الأمننة” من مدرسة كوبنهاغن، وأضاف مفهوم “الأمننة المفرطة” محركًا رئيسًا للعنف المنفلت، مثل جرائم الحرب والإبادة. وأكّد أن هذه السرديات تُستخدم لتعطيل الانتقال الديمقراطي أيضًا، ليس في الدول العربية فحسب، بل في الديمقراطيات الغربية أيضًا. واختتم بفتح المجال لنقد الفرضية، داعيًا الباحثين إلى اختبارها بمحاولة العثور على حالات عنف لا تفسرها سرديات التوجس.
أخيرًا، يمثّل الكتاب إضافة فكرية نوعية إلى المكتبة العربية؛ إذ إنه يقدّم منظورًا جديدًا لفهم دوافع العنف الجماعي بعيدًا من التفسيرات النمطية، مستندًا إلى سرديات الخوف والهويات المهددة باعتبارها أدواتٍ لتبرير الفظائع. تكمن أهميته للقارئ العربي في تفكيك الآليات التي تُستخدم لتبرير القمع وتعطيل التحول الديمقراطي، سواء من الأنظمة أو من الفاعلين غير الدولتين. وهو يساهم في تعميق النقاش حول موقع الإسلام السياسي في السرديات العالمية المعاصرة، ويمنح الباحثين العرب أدوات تحليلية لفهم واقعهم وربطه بالسياق العالمي. إنّه عمل نقدي مهمّ في زمنٍ تتعاظم الحاجة فيه إلى فهم جذور العنف، لا الاكتفاء بتتبّع نتائجه فحسب.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19783

العدد 19783

الثلاثاء 27 ماي 2025
العدد 19782

العدد 19782

الإثنين 26 ماي 2025
العدد 19781

العدد 19781

الأحد 25 ماي 2025
العدد19780

العدد19780

السبت 24 ماي 2025