تواجه عملية ترجمة أدب الطفل في الجزائر تحديات كبيرة، كونها عملية تجمع بين الأبعاد اللغوية والأدبية والنفسية والتربوية، مع إيلاء اهتمام خاص لمدى ملاءمة النصوص للأداء المسرحي أو سردها شفويا، وهو ما يعكس جانبا تخصصيا يصعب ملامسته، حسب البروفيسور نعيمة سعدية أستاذة بجامعة محمد خيضر بسكرة.
تعتبر البروفيسور نعيمة سعدية أن أدب الطفل يعد رافدا أساسيا في تشكيل وعي الأطفال وتنمية قدراتهم المعرفية والوجدانية والخيال، وهو بوابة للتعرف على ثقافات العالم.
وقالت في حديث مع “الشعب” أن “في الجزائر، ذات التنوع الثقافي واللغوي، تكتسب ترجمة أدب الطفل أهمية مضاعفة، فهي تسهم في إثراء المحتوى المتاح للطفل باللغتين العربية والأمازيغية، وتساعد على الانفتاح الثقافي وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة، بالإضافة إلى دعم اللغة العربية الفصحى كلغة أدبية موجهة للطفل، ومع ذلك، فإن هذا المجال يواجه العديد من التحديات التي تتطلب نظرة بحثية عميقة”.
وترى أننا إذا بدأنا الحديث عن واقع ترجمة أدب الطفل في الجزائر (من وإلى العربية)، فإننا نراه واقعا محتشما وغير منظم بالقدر الكافي، يعاني من عدة نقائص في اتجاهين، الأول هو الترجمة من لغات أجنبية (خاصة الفرنسية والإنجليزية) إلى العربية والأمازيغية، حيث نجد الهيمنة التاريخية للفرنسية نظرا للإرث الاستعماري، إذ كانت وما زالت اللغة الفرنسية المصدر الرئيسي للمواد المترجمة، سواء كانت أعمالا كلاسيكية مثل قصص شارل بيرو، الأخوين غريم، هانس كريستيان أندرسن، أم أعمالا معاصرة مع غياب شبه كلي لترجمة أدب الطفل من لغات أخرى مثل الألمانية، الإسبانية، الصينية، اليابانية، أو حتى من ثقافات عربية غير مشرقية.
وتضيف “ناهيك عن التباين في جودة الترجمات، حيث تقدم بعض الأعمال محتوى جيدا يراعي خصائص الفئة العمرية، في حين تعاني أخرى من الترجمة الحرفية أو من ضعف الصياغة اللغوية أو تجاهل البعد الثقافي، مما يؤثر على جاذبية النص وقدرته على الوصول إلى الطفل، ويضاف إلى ذلك قلة التخصص، إذ كثيرا ما يتولى الترجمة أشخاص غير متخصصين في أدب الطفل أو في تربية الأطفال، مما يؤثر على فهمهم لاحتياجات الطفل النفسية واللغوية”.
وتطرقت المتحدثة إلى دور النشر، مشيرة إلى أنه بينما تعتمد بعض دور النشر العامة والخاصة (مثل المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية) على ترجمة القصص العالمية المشهورة، إلا أن الجهود تظل فردية أو تجارية ولا تشكل استراتيجية وطنية متكاملة.
وأشارت أيضا إلى أن الترجمة من العربية أو الأمازيغية إلى لغات أجنبية فهي شبه منعدمة، إذ تكاد تغيب تماما ترجمة أدب الطفل الجزائري إلى لغات أخرى، ويعود ذلك إلى ضعف تسويق المنتج الأدبي الجزائري دوليا، وعدم وجود استراتيجيات واضحة لدعم التبادل الثقافي، أو لتعريف العالم بالثقافة الجزائرية من خلال القصص الشعبية أو أعمال كتّاب الأطفال الجزائريين.
كما تعد إشكالية استخدام العامية مقابل الفصحى قضية بارزة في هذا المجال، تقول سعدية “فبينما يرى بعض المترجمين ضرورة الالتزام بالفصحى المبسطة لتعزيزها كلغة تعليمية وثقافية، يميل آخرون لاستخدام العامية الجزائرية في بعض الحوارات لجذب الطفل، وهو ما يؤثر على طبيعة وجودة المحتوى المترجم”.
أما أبرز التحديات التي تقف عائقا أمام ترجمة النصوص الموجهة للطفل، فيمكن تلخيصها في التحديات الثقافية والاجتماعية التي تتجلى في صعوبة نقل المفاهيم والقيم والعادات والفكاهة وحتى الأسماء من ثقافة المصدر إلى ثقافة الطفل الجزائري، دون الإخلال بالمعنى أو التسبب في صدمة ثقافية.
ويتطلب ذلك من المترجم أن يوازن بين الوفاء للنص الأصلي والتكيف مع الواقع الثقافي المحلي، كما أن بعض المواضيع المقبولة في الثقافة الأصلية قد لا تتلاءم مع القيم الأخلاقية أو الدينية في الجزائر، كما أكدت محدثتنا.
وذكرت هنا أنه وبالإضافة إلى التحدي اللغوي بين الفصحى والعامية كما سبق ذكره، تشمل التحديات اللغوية والجمالية صعوبات نقل اللعب بالألفاظ والقوافي والأغاني والأشعار، التي تتطلب إعادة إبداع لا مجرد ترجمة حرفية، مع ضرورة مراعاة الفئة العمرية في اختيار المفردات والتراكيب المناسبة لمستوى الطفل اللغوي والنفسي، مع المحافظة على الروح والأسلوب من جهة أخرى، بحيث تبقى النبرة والإيقاع والحس الفكاهي والجمالية الأدبية للنص الأصلي دون أن تتعارض مع البساطة المطلوبة.
أما بالنسبة للتحديات الاقتصادية والمهنية فهي كذلك بارزة، حيث تعاني دور النشر من ضعف الميزانيات وغياب الدعم الحكومي أو منح الترجمة، وارتفاع تكاليف الإنتاج من رسوم وتصميم وطباعة وتوزيع، تقول البروفيسور نعيمة سعدية.