جسر للتواصل الثقافي بين الأمم.. الدكتور العيد جلولي لـ”الشعب”:

ترجمــة أدب الأطفـال ضرورة ثقافية في زمن الانفتاح الرقمي

فاطمة الوحش

 لا مستقبل لثقافة الطفل دون ترجمة واعية ومنظمة 

عزل الطفل عن الثقافات العالمية ليس ممكنا في عصر يتميز بالتنوع 

ترجمة ما يتناسب مع المجتمع الجزائري ويوافق تراتبيته القيمية

يرى الدكتور العيد جلولي أن الترجمة تمثل جسرا أساسيا للتواصل الثقافي بين الأمم، وتغدو أكثر إلحاحا حين يتعلق الأمر بأدب الأطفال، لما له من دور محوري في تشكيل شخصية الطفل وبناء أفقه المعرفي والوجداني. وتحدث في تصريحه لـ«الشعب” عن واقع ترجمة أدب الطفل في الجزائر، وأهم التحديات التي تعيق تطوير هذا المجال، كما قدّم جملة من المقترحات العملية لإنشاء مؤسسات وطنية تعنى بترجمة هذا الأدب، مع تحديد الشروط والمعايير التي يجب أن تتوفر في المترجم، حتى يكون قادرا على تقديم محتوى أدبي رفيع يناسب الطفولة ويواكب المعايير العالمية.

قال الدكتور العيد جلولي، إن الترجمة تؤدي دورا بارزا في نقل الأفكار والحضارات بين الأمم، وتعرف بأنها العملية التي يتم من خلالها نقل المعلومات والبيانات بين اللغات بغرض التبادل الثقافي والعلمي، وتحقيق الاستفادة من كل علم موجود في كل حضارة. وأكد أنه إذا كانت الترجمة بهذه الأهمية، فإنها في أدب الأطفال تغدو أكثر أهمية، لأن هذه الشريحة ستجد نفسها جزءا من العالم، فترجمة آداب الأطفال من لغات مختلفة إلى اللغة العربية والعكس من العربية إلى لغات أخرى مهم للطفل الجزائري ولكل الأطفال في العالم.
وأوضح محدثنا أن عزل الطفل عن الثقافات العالمية لم يعد ممكنا في عصر يتميز بالثراء والتنوع، حيث تلعب الوسائط والوسائل الإلكترونية دورا حاسما في فتح أبواب الثقافة العالمية أمام الأطفال من خلال الترجمة.
وشدد الدكتور جلولي على أنه، ونحن نمارس عملية الترجمة في هذا المجال، يجب أن نضع نصب أعيننا ما يلي: تنويع مصادر الأعمال المترجمة المقدمة للأطفال حتى نضمن حصولهم على ثقافة متوازنة تبني مستقبلهم، واختيار أعمال تتناسب مع المجتمع الجزائري وتتفق مع القيم والعادات والتقاليد المحلية.
وأشار جلولي إلى ضرورة التركيز على الثقافة العلمية وكتب المعلومات والمعرفة في مجال التكنولوجيا والخيال العلمي وعالم الميتافيرس، وكذلك التركيز على الأعمال الكلاسيكية الكبرى، وترجمة دوائر المعارف المتخصصة للمراحل المختلفة.
كما دعا إلى ترجمة الكتب التي تحصلت على جوائز عالمية في مجال أدب الأطفال مثل جائزة “كارنجي” في إنجلترا، جائزة “نيوبري” في أمريكا، جائزة “غونكور” في فرنسا، جائزة “فنلنديا” في فنلندا، وجائزة “اتصالات لكتاب الطفل”، وهي جائزة أدبية عربية لأدب الأطفال، إضافة إلى جائزة “الشارقة للإبداع العربي”، وجائزة “مصر لأدب الأطفال”، وجائزة “مصطفى عزوز لأدب الأطفال” بتونس.
وأكد المتحدث على ضرورة أن تنشئ وزارة الثقافة والفنون مركزا وطنيا لترجمة أدب الطفل الجزائري، خصوصا الأعمال الفائزة بجوائز وطنية، إلى لغات عالمية، خصوصا اللغة الإنجليزية، “حتى يطّلع أطفال العالم على ثقافتنا، ونسهم في خلق أجيال تؤمن بالسلام بين أطفال العالم وتسهم في تحقيق التقارب الثقافي بين أطفال وشعوب الدول الأخرى وبين أطفال الجزائر”.
وبخصوص واقع ترجمة أدب الطفل في الجزائر (من وإلى العربية)، قال الدكتور جلولي: “إذا ألقينا نظرة على ما يصدر من كتب الأطفال في الجزائر خلال الأعوام العشرة المنصرمة، فإن أول ما يلفت انتباهنا هو قلة الكتب المترجمة، ليس في أدب الأطفال فقط بل في كل المجالات، فالترجمة عندنا لا تزال ضعيفة”.
أما عن أبرز التحديات التي تقف عائقا أمام ترجمة النصوص الموجهة للطفل، فأوضح أن أهم عائق يتمثل في غياب استراتيجية ثقافية مكرسة للأطفال، مشيرا إلى أن كل ما يُوجه للأطفال هو أعمال ارتجالية تفرضها المناسبات العابرة والنشاطات المرتبطة بالتربية والتعليم.
وأكد أن الذي يحدد هذه الاستراتيجية هو خلق مجلس أعلى للطفولة في الجزائر يتولى رسم السياسات الخاصة برعاية وإنماء الطفولة بما يتوافق والاتفاقيات الدولية، وخصوصا اتفاقية حقوق الطفل، وإنشاء مركز معلومات وتوثيق ودراسات للطفولة يهدف إلى جمع وتبادل البيانات واستخراج المؤشرات، وتخطيط البرامج، وإجراء الدراسات والبحوث والفهارس، ووضع وتنسيق استراتيجيات الطفولة.
وقال، إننا حتى الآن نجهل ما يُنشر للأطفال وما يُترجم لهم، كما نجهل لغات المصدر بالنسبة لهذا الأدب المترجم، وما هي أجناسه الأدبية؟ ومن هم صنّاعه؟ وأرجع ذلك إلى غياب هذه المجالس والمراكز المتخصصة.
وفي حديثه عن شروط المترجم الذي يقدم عملا أدبيا للطفل، تساءل الدكتور جلولي: “من يقوم بالترجمة؟ وما هي المعايير والضوابط التي يجب أن يتحلى بها المترجم لتقديم محتوى أدبي يخاطب فئة عمرية معينة؟”
وأجاب بأن أول شرط هو إتقان اللغة التي يترجم منها وإليها، بالإضافة إلى معرفة جيدة بأدب الأطفال، ويقصد بالمعرفة الجيدة الإلمام بقضايا أدب الطفل والاطلاع على الأعمال الكبرى التي أصابت نجاحا في هذا المجال حتى تكون جديرة بالترجمة، إلى جانب معرفة بأساليب اللغة، خصوصا معجم الطفل في كل مرحلة من مراحل نموه، ليكون بذلك صاحب أسلوب سلس، متماسك، وخال من التفكك والتعقيد.
وأشار العيد جلولي إلى جملة من القضايا المتعلقة بالترجمة في مجال أدب الأطفال، منها: التعادل الجمالي والأسلوبي مع الأعمال الأصلية، أي المحافظة على الطابع الجمالي الذي يجعل النص المترجم محافظا على جمالياته، حتى لا ينفر المتلقي الصغير من هذه الكتب المترجمة، لأن الحفاظ على الجانب الجمالي هو ما يحفظ للنص أدبيته.
وفي ختام تصريحه، شدد الدكتور العيد جلولي على ضرورة التمييز بين الترجمة والاقتباس، لافتا إلى أن بين العمليتين اتصالا وثيقا. وقال: “إذا كانت الترجمة ضعيفة عندنا، فإن ظاهرة الاقتباس نشطة، فكثير من العناوين هي في الأصل أعمال مقتبسة من الآداب الفرنسية والإنجليزية على وجه الخصوص، وهذا موضوع يحتاج إلى بحوث مستقلة تبين وظائفه ومخاطره”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19784

العدد 19784

الأربعاء 28 ماي 2025
العدد 19783

العدد 19783

الثلاثاء 27 ماي 2025
العدد 19782

العدد 19782

الإثنين 26 ماي 2025
العدد 19781

العدد 19781

الأحد 25 ماي 2025