أسدل الستار بقصر الثقافة مفدي زكريا بالجزائر العاصمة، على فعاليات الأسبوع الثقافي لولاية أولاد جلال، وسط أجواء احتفالية ميّزها الحضور النوعي والتفاعل الكبير من الجمهور، حيث شهد الحدث المندرج في إطار البرنامج الثقافي والفني لموسم صيف 2025 الذي سطرته وزارة الثقافة والفنون تحت شعار “صيفنا.. لمة أمان” حضور مدير قصر الثقافة احسن غيدة ومدير الثقافة لولاية أولاد جلال محافظ المهرجان الثقافي المحلي للفنون والثقافات الشعبية منير عيسوق.
أكد مدير الثقافة لولاية أولاد جلال ومحافظ المهرجان الثقافي المحلي للفنون والثقافات الشعبية، منير عيسوق، أن هذه المشاركة تجسد التبادل الثقافي الميداني بين كل ولايات الوطن وتترجم غنى التراث المحلي، كما أبرز أهمية هذا اللقاء في تعزيز اللحمة الوطنية من جهة واكتشاف ما تزخر به منطقة ولاد جلال من موارد ثقافية وموروث شعبي ضارب جذوره في التاريخ، وأضاف أن التظاهرة لم تكن سوى تتويج لأسبوع من التألق الثقافي الذي نجح في شدّ انتباه الزوار وإيصال رسالة عنوانها “أولاد جلال.. أصالة تتجدّد”.
ومن جهته أفاد قريشي محمد عضو بمحافظة المهرجان الثقافي المحلي للفنون والثقافات الشعبية، بأن الهدف من الأسبوع الثقافي هو تعزيز التبادل الثقافي بين الولايتين، وإبراز الثقافة والهوية المحلية لولاية أولاد جلال، وبالخصوص تعزيز الانتماء لدى الشباب والمشاركة المجتمعية في الفعل الثقافي.
وشهدت الفعالية مشاركة نحو 30 حرفيا بينهم مبدعون وفنانون عرضوا إبداعاتهم في مجالات متعدّدة، منها المطبخ الجلالي والصناعات الغذائية، الحرف اليدوية، الألبسة التقليدية (نسوية ورجالية)، الفخار، إضافة إلى عروض موسيقية تراثية مستوحاة من خصوصية المنطقة، كما تخللت التظاهرة ورشات فنية ولقاءات أدبية، استعراضات فلكلورية والفروسية، أبرزت حيوية الساحة الثقافية بأولاد جلال، وظهر ذلك جليا عند مراسم الافتتاح الذي شهد استعراضا موسيقيا مميزا نشطته فرقة “هارون الرشيد للموسيقى العربية” بمشاركة الفنان لزهر الجلالي، إلى جانب العرض البهي الذي قدّمته الفرقة الفلكلورية للتراث والفن الأصيل لأولاد جلال.
تراث زاخر
تم بالمناسبة تنظيم محاضرة حول التراث المادي واللامادي في المنطقة، قدّمها الاستاذان حياة بزيو أستاذة التاريخ ورئيسة جمعية “نون والقلم” بولاية أولاد جلال، ومصطفى سالم أستاذ في علم الآثار بجامعة محمد لخضر بولاية باتنة، وتضمنت مداخلتين على التوالي “أولاد جلال جوهرة الجنوب” و«التراث المادي لمنطقة أولاد جلال”، أكدا فيها وبالصور أن “تراث أولاد جلال، يمثل كنزاً حضارياً يجسّد روح البداوة الجزائرية الأصيلة وجزءاً من الذاكرة الثقافية الجزائرية، حيث الحفاظ عليه ونقله للأجيال يُعد ضرورة ملحة في ظل التغيرات المعاصرة، كما يعكس ارتباط الإنسان بجغرافيته وثقافته”، وأكدا أن هذا التراث لا يزال بالرغم التحديات المعاصرة، حيّاً في تفاصيل الحياة اليومية وفي الاحتفالات، كما أشارا إلى أن الموروث الشفوي، بحاجة إلى مزيد من التثمين والحماية.
وفي سياق متصل، تميز الحدث بتنظيم أمسية شعرية نشطها على مستوى ساحة “الطحطاحة” كوكبة من شعراء الفصيح والملحون، رافقتها عروض فلكلورية، وسهرة موسيقية أقيمت على مستوى فضاء قصر “الداي” بحسين داي، قدّمتها الفرقة الموسيقية “هارون الرشيد” احتفاء بالموروث الفني المحلي.
أدب وفنون تشكيلية
شملت التظاهرة عدّة أجنحة عكست الزخم الثقافي المتنوّع والمتشعب لهذه الولاية، فعلى غرار جناح إصدارات أدبية لكُتَّاب ولاية أولاد جلال تنوعّت بين روايات، دواوين شعرية، قصص موجهة للكبار والصغار وغيرها من المؤلفات الفكرية والعلمية التي تعكس الرؤية الأكاديمية والثقافية لأبناء المنطقة الذين يشكلون أسماء وازنة أثرت المكتبة الجزائرية بأعمالها القيمة، استقطب جناح الصور الفوتوغرافية واللوحات التشكيلية والمشغولات والمجسمات، الزوار، حيث كانت فرصة للتعرف على المنطقة وأماكنها وآثارها ومساجدها ومواقعها التاريخية.
وفي السياق، كان جناح التحف والفن الذي أشرفت عليه الحرفية سعاد بخاري أستاذة لغة إنجليزية متقاعدة، منصة تفاعلية للتعرف مباشرة على فن رسكلة المواد وتحويلها إلى تحف في غاية الروعة والجمال.
مدينة الشعراء
وليس بعيدا عن القصص والمرويات الشعبية التقت “الشعب” بالشاعر سخري عمر، باحث في التراث الشعبي والشعر الملحون لمنطقة أولاد جلال، حدّثنا عن هذا الفن الأدبي الراقي الذي تزخر به المنطقة، التي أنجبت عددا من الشعراء المبدعين من بينهم الشاعر بن قيطون صاحب رائعة “حيزية” والشيخ السماتي، زغادة بلقاسم.. وغيرهم، كما أبرز مكانة الشعر الشعبي الملحون لدى الشباب المعول عليهم في إبقاء راية هذا النوع الشعري العريق عالية في سماء الثقافة المحلية والوطنية.
خيمة أولاد جلال.. النوايل
سمحت التظاهرة بالتعرف أكثر على تاريخ منطقة أولاد جلال من خلال “خيمة النوايل” التي تم رفعها وسط بهو قصر الثقافة مفدي زكريا، وكانت تحمل كل أشكال الحياة اليومية لساكنة المنطقة، فالخيمة، يقول الأستاذ مصطفى سالم “ترمز إلى أصالة الحياة البدوية والتنقل الذي كان سائدا بين القبائل، وهي بمثابة بيت متنقل يعكس نمط العيش الصحراوي المرتكز على الحرية والمساحات المفتوحة، كما تعتبر مركزا للاستقبال والكرم النايلي الجلالي الصحراوي الأصيل، كما كانت منبرا لسرد الحكايا وإلقاء الشعر وعزف الألحان والموسيقى الشعبية، ووعاء ثقافي يتم من خلاله توثيق الذاكرة الجماعية”.