لفـت اهتمام محبي الفنـون التشكيلية بقاعة محمـد راسـم

عبد القـادر روابـح يقـدّم 73 لوحـة بـ ”رؤى مختلفـة”

فاطمة الوحش

تسدل قاعة العرض محمد راسم بالجزائر العاصمة، غدا الثلاثاء، الستار على معرض الفنان التشكيلي عبد القادر رُوابح الموسوم بـ«رؤى مختلفة، رحلة إلى الداخل”، الذي شكّل منذ افتتاحه محطة لافتة في المشهد الفني الوطني، ولفت اهتمام محبي الفنون التشكيلية والمهتمين بالتجريد الفلسفي. المعرض لم يكن مجرد فضاء لعرض أعمال فنية، بل قدّم تجربة حسية وذهنية متكاملة، دعت المتلقي إلى إعادة اكتشاف ذاته عبر لغة لونية وتشكيلية مشحونة بالدلالات.

على امتداد أيام العرض، وجد الزوار أنفسهم أمام 73 لوحة تشكيلية بأحجام وأساليب متباينة، حرص روابح على أن يشكل كل عمل منها نافذة مستقلة تحمل سردية بصرية خاصة. تنوعت هذه الأعمال بين التجريد الخالص وشبه التجريد، لتغوص في قرابة عشر ثيمات فلسفية متصلة بالوجود، والذاكرة، والروح، والزمن. هذه المقاربة الفكرية لا تنفصل عن المسار الإبداعي للفنان، الذي يسعى إلى جعل اللوحة أداة للتأمل لا مجرد موضوع للعرض.
وفي تصريحه، أوضح الفنان أنه تعمد المزج بين أعمال قديمة تعكس انشغاله بالتراث ورموزه، وأخرى حديثة تذهب أكثر نحو التعبير الحركي والفن الغنائي، حيث تتحول الخطوط والمساحات إلى عناصر إيقاعية تنسج نصًا بصريًا مفتوحًا على تعدد القراءات.
وفي ما يتعلّق باختياراته اللونية، شدّد على أنه لا يضع مخططا مسبقا للألوان، بل يترك للانفعال اللحظي حرية تحديد المسار: فالألوان الدافئة مثل البرتقالي تبعث على الحيوية والحرارة، في حين يمنح الأزرق مساحات من الصفاء والسكينة، لتنشأ بذلك علاقة جدلية بين التوتر والهدوء داخل فضاء اللوحة.
وإذا كانت الهيئة البشرية حاضرة في عدد من أعماله، فإن الفنان يرفض تصنيفها كامتداد مباشر لتجربة محمد إسياخم، مؤكّدًا أنّه لا يستند إلى تقليد محدّد، بل ينفتح على التراث التشكيلي العالمي برمته، ليعيد صهره وفق رؤيته الخاصة. وهو يرى أن الفن الحديث في جوهره يقوم على الحرية والاختلاف، وهو ما يجسّده عنوان المعرض نفسه: “رؤى مختلفة”.
وتكتسب تجربة عبد القادر رُوابح أهميتها أيضا من مساره الشخصي. فقد وُلد عام 1969 بمدينة بُرْج بوعريريج، وتخرّج من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر سنة 1996 في تخصص الرسم، حيث تتلمذ على يد أسماء بارزة مثل شوكري مسلي وعبد الرحمن عيدود. وخلال ما يزيد عن ربع قرن من الممارسة، راكم الفنان رصيدًا من المشاركات المتنوعة في معارض فردية وجماعية عبر ولايات الوطن، مكسبًا اسمه مكانة مميزة في المشهد التشكيلي الجزائري. وإلى جانب نشاطه الفني، يزاول عمله كمفتش ثقافي وفني بدار الثقافة في مسقط رأسه، وهو ما يضفي على تجربته بعدا آخر يجمع بين الإبداع والمرافقة المؤسساتية للحياة الثقافية.
ويُعد هذا المعرض، وفق عدد من المتابعين، مناسبة لإعادة طرح النقاش حول موقع الفن التجريدي في الجزائر، ومدى قدرته على ملامسة القضايا الوجودية والفكرية العميقة، بعيدًا عن التمثيل الواقعي المباشر. فالأعمال المعروضة لا تقدّم إجابات جاهزة، بل تفتح الباب أمام أسئلة تتعلق بالهوية، والانتماء، والحرية، والعلاقة بين الفرد ومحيطه. من هنا، تصبح زيارة المعرض أشبه بـ«زيارة داخلية” فعلية، كما يشير عنوانه، حيث يتحوّل المتلقي من مجرد مشاهد إلى مشارك في عملية التأمل والاكتشاف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19881

العدد 19881

الأحد 21 سبتمبر 2025
العدد 19880

العدد 19880

السبت 20 سبتمبر 2025
العدد 19879

العدد 19879

الخميس 18 سبتمبر 2025
العدد 19878

العدد 19878

الأربعاء 17 سبتمبر 2025