بوسعدية يقدّم قراءة فلسفية بمقر “الجاحظية”

الأمير عبـد القـادر في مـرآة محمد أركون

أمينة جابالله

نظرة جديدة على شخصية فذة لا تزال تلهم الإنسانية

نشّط الأستاذ محمد سعيد بوسعدية محاضرة فكرية موسومة بـ«الأمير عبد القادر في مرآة الفكر الأركوني.. بين التاريخ والذاكرة الجماعية: نموذج لنقد الفكر الدوغمائي”، خصصها لعرض قراءة المفكر الراحل محمد أركون لشخصية الأمير عبد القادر من زواياها التاريخية، الفكرية والروحية.

استهل سعيد بوسعدية عرضه بالإشارة إلى أهمية إسهامات أركون الفكرية، لاسيما في كتابيه “تحرير الوعي الإسلامي” و«نقد العقل الإسلامي”، حيث عمل على نقد البُنى الدوغمائية التي تُغلق باب الاجتهاد وتمنع التفكير الحر. وأوضح أن أركون وظّف أدوات النقد التاريخي، الأنثروبولوجي، الألسني والفلسفي لتفكيك الخطابات الدينية والأيديولوجية، سواء داخل الثقافة الإسلامية أو الغربية، سعيًا إلى تحرير الفكر من الانغلاق.
وانتقل بوسعدية إلى تجربة الأمير عبد القادر بين 1832 و1847، متسائلًا من خلال أركون عن طبيعة الدولة التي سعى الأمير إلى تأسيسها: هل هي دولة حديثة تستند إلى مفاهيم السيادة والشرعية والبيروقراطية والمواطنة، أم أنها دولة تقليدية خلدونية قوامها العصبية والشرعية الدينية؟
وللإجابة، استشهد بصورة قدمها الباحث إيلي خدوري للأمير باعتباره قائدًا جمع بين الزهد والنزاهة من جهة، وبين براعة التنظيم العسكري والسياسي من جهة أخرى، وهو ما منحه شرعية روحية وسياسية في آن واحد.
وقدّم الأمير مشروعه السياسي على أنه محاولة لمحاكاة المدينة المثلى التي شكّلت دائمًا نموذجًا متخيلاً للحكم في التاريخ الإسلامي، مما جعل تجربته تتجاوز مجرد المقاومة العسكرية لتلامس مشروعًا حضاريًا وأخلاقيًا.

الإسلام القرآني والصوفية الفلسفية

أكد الأستاذ بوسعدية أن أركون صنف الأمير ضمن الفكر الكلاسيكي الإسلامي، نظرًا لتأثره العميق بـ«الإسلام القرآني” الذي يستلهم قيم التسامح والعدل، وبالفكر الصوفي الذي يمنح التجربة السياسية بعدًا روحانيًا وفلسفيًا. وهنا يظهر تميز الأمير بقدرته على الجمع بين الفعل السياسي الواقعي والرؤية الروحية المستنيرة.
وأبرز المحاضر النقطة المركزية في قراءة أركون، وهي أن الأمير عبد القادر جسّد في مساره الروحي الشخصي عملية الإفصاح عن المكبوتات الناتجة عن الصراع مع المستعمر، وهي مكبوتات لم يكن الآخرون قادرين على التعبير عنها. وقد انتهى هذا المسار إلى مصالحة، قائمة على استيعاب الآخر كجزء من الذات، وفق المفهوم الفلسفي الذي أبرزه بول ريكور في قوله “الذات عينها كآخر”.
غير أن هذا الموقف العظيم ـ يضيف أركون ـ لم يُفهم ولم يُستوعب لا من الفرنسيين ولا من الجزائريين، على الرغم من عمقه الإنساني والديني.
واختتم الأستاذ سعيد بوسعدية محاضرته بالتأكيد على أن التمييز الذي وضعه أركون بين الأمير المقاوم والسياسي من جهة، والأمير الصوفي المفكر من جهة أخرى، يتيح قراءة جديدة لشخصية تاريخية فذة لا تزال تلهم الجزائريين والإنسانية جمعاء. فالأمير عبد القادر لم يكن مجرد قائد مقاومة، بل كان أيضًا مفكرًا صوفيًا حمل رؤية إنسانية تتجاوز زمانها ومكانها.

تثمين الفكر النقدي

 في سياق مواز، اعتبر المشاركون أن احتضان الجاحظية لهذا اللقاء بالتعاون مع الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، يندرج في سياق جهودها المستمرة لتثمين الفكر النقدي، وإبراز رموز الثقافة الجزائرية التي تركت بصمتها في المشهد الفكري العالمي.
وبذلك، أضافت الجمعية الثقافية الجاحظية محطة فكرية جديدة إلى سجلها، مؤكدة من خلال إشراف الأستاذ سعيد بن سعدية على أن الحوار الفلسفي حول رموز الفكر الجزائري يظل أولوية في خدمة الثقافة والتنوير، حسب ما صرّح به مدير الجمعية الثقافية الجاحظية عبدالحميد صحراوي لـ«الشعب”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19881

العدد 19881

الأحد 21 سبتمبر 2025
العدد 19880

العدد 19880

السبت 20 سبتمبر 2025
العدد 19879

العدد 19879

الخميس 18 سبتمبر 2025
العدد 19878

العدد 19878

الأربعاء 17 سبتمبر 2025