خلق قاعــــدة صلبــة للتعــاون الاقتصـــادي الافريقــــي
شهدت الصناعات الكهرومنزلية ببلادنا تطوراً ملحوظاً وحركية متسارعة مقارنةً بسنوات السبعينيات من القرن الماضي، حيث سجّل القطاع قفزةً نوعية خلال العقود الثلاث الماضية، مدفوعاً في ذلك بجملة من الإجراءات والتدابير التي جعلت منه قطاعاً مُنتِجاً ساهم في تغطية جزء كبير من احتياجات السوق الوطنية.
لعبت السلطات دوراً بارزاً في تثمين هذا القطاع، عبر إقرار حزمة من التسهيلات والتحفيزات التي أدّت الى خلق مناخ استثماري ملائم لنمو الشركات الوطنية مما فتح الطريق أمامها للتفكير في ولوج الأسواق الإفريقية.
نتيجةً لهذا الزخم الحاصل في قطاع الصناعات الكهرومنزلية، بات هذا الأخير يزخر بفرص واعدة يمكن استغلالها للنهوض به بشكل أكبر، فحجم السوق الجزائرية والأسواق الأفريقية المجاورة لها، يفتحان آفاقاً واعدة لنهضة حقيقية لهذا القطاع يمكنها الانتقال به ليتحوّل إلى أحد ركائز الاقتصاد الوطني.
وقد شكّل قانون الاستثمار الجديد دافعاً قوياً ونقطة تحوّل في السياسة الاقتصادية للبلاد، وقد انعكس هذا التحوّل على الصناعات الكهرومنزلية التي استفادت من مجموعة من الإجراءات التي تهدف الى تبسيط مسار الاستثمار والحصول على العقار الصناعي، وضمان الشفافية وتوفير حماية قانونية للمستثمرين. وقد بدأت نتائج هذه السياسة تظهر تدريجياً من خلال اكتساح المنتوج الوطني للأسواق المحلية وزيادة تنافسيتها في وجه المنتجات الأجنبية، فضلاً عن توجّه بعض المنتجين لاكتساح الأسواق الخارجية.
الى جانب ذلك، يبرز المعبر الحدودي الشهيد مصطفى بن بولعيد الرابط بين الجزائر وموريتانيا كحلقة أخرى من مسلسل الإصلاحات الميدانية التي ساهمت في تعزيز آفاق صناعة الأجهزة الكهرومنزلية الجزائرية، حيث يُعد المعبر الحدودي منفذاً استراتيجياً نحو أسواق غرب إفريقيا، موفراً بذلك نقطة عبور سلسة للسلع والمنتجات الوطنية نحو الأسواق الخارجية.
افتتاح المعبر الحدودي وبَنْكَين جزائريين في كل من نواكشوط وداكار، وما نتج عنهما من تسهيلات جمركية وانخفاض تكاليف النقل، هي معطيات أدّت الى خفض أسعار الأجهزة الكهرومنزلية في الأسواق الموريتانية، حيث أصبحت خياراً مفضلاً للمواطنين الموريتانيين بسبب جودتها وانخفاض أسعارها مقارنةً بمثيلاتها الأوربية والآسيوية.
هذا الوضع الجديد، شكّل حافزاً للمصنّعين الوطنيين للدخول في شراكات أعمق مع نظرائهم الأفارقة من أجل خلق قاعدة صلبة للتعاون الاقتصادي مستقبلاً في مجال الصناعات الكهرومنزلية، نظراً لما باتت تزخر به الكفاءات الوطنية من خبرة ومؤهلات علمية وتقنية تؤهّلهم لملأ الفراغ الحاصل في الأسواق الإفريقية.
إن الدعم الذي حظي به قطاع صناعة الأجهزة الكهرومنزلية ببلادنا، من حيث التحفيزات الإدارية والبنية التحتية واللوجيستية، شكّلت فرصةً حقيقية لعودة هذه الصناعة إلى مجدها السابق، خاصةً مع توجّه المصنّعين الى الاستثمار في الجودة وخفض التكاليف وطرق أبواب الأسواق الإفريقية المتعطّشة لهذا النوع من المنتجات.
فالأرقام والمؤشرات المعلن عنها في المعبر الحدودي الشهيد مصطفى بن بولعيد، كافية لرسم صورة حقيقية لمكانة الصناعة الكهرومنزلية الجزائرية في الأسواق الإفريقية، وهي صورة مصغّرة عن مكانتها في الأسواق الوطنية، فبفضل هذا المنفذ البري، أصبحت عمليات تصدير هذه المنتجات تتمّ بمرونة أكبر وبتكاليف أقل وفي وقت أقصر مقارنةً بالنقل البحري، ما زاد من تنافسيتها في أسواق موريتانيا والسنغال مقارنةً مع المنتجات القادمة من خارج القارة، وهو ما يعكس بداية تحوّل نوعي في واقع قطاع الصناعات الكهرومنزلية ببلادنا.