يمكن لقطاع السياحة أن يكون قاطرة حقيقية للنمو، ويستحدث القيمة المضافة ويفتح مناصب الشغل، ويحول الجزائر إلى وجهة جذابة يتدفق عليها السياح وتنافس بذلك دول منطقة شمال إفريقيا، لكن في الوقت الراهن، القطاع مازال يحتاج إلى الدفع بالاستثمارات نحو الأمام بجدية وصرامة بهدف تكوين المورد البشري بالدرجة الأولى، وتشجيع الاستثمارات في هياكل الاستقبال والإطعام، وإن تطلب الأمر جلب الشريك الأجنبي للاستفادة من خبرته، حتى تتبوأ السياحة الجزائرية المكانة التي تستحق، بعيدا عن انتهاج آليات التسيير السابقة، والارتكاز وفق خطة أو ورقة طريق يتم إعدادها وفق معطيات دقيقة ورؤية ذكية لكل ما يتوفر على أرض الواقع.
لا يقل قطاع السياحة أهمية من حيث الإمكانيات عن قطاعي الفلاحة أو الصناعة في إطلاق الثروة، لكن مازالت نسبة مساهمته في الدخل المحلي الخام ضعيفا، لا يرقى إلى القدرات المتاحة، بسبب غياب استراتجية واضحة، لكن التوجه الجديد الذي يراهن فيه على إطلاق إصلاحات في مختلف القطاعات كورونا
تشخيص حقيقي، وتحديد معالم بناء المشروع السياحي الجزائري، لأن السياحة مازالت تصنف خارج مصادر النمو واستحداث الثروة. ولجعل القطاع السياحي بديلا تنمويا حقيقيا بعيدا عن مصادر الطاقة الأحفورية، ينبغي إرساء استراتجية قوية تعتمد على الذكاء الصناعي، وتستبدل آليات التسيير والتسويق القديمة، بأخرى من طراز حديث والانفتاح على المستثمرين الحقيقين الذين يملكون رؤوس أموال كبيرة ولديهم مشاريع واعدة يمكنها تغيير الوضع القائم إلى الأفضل.
يمكن لقطاع السياحة وحده أن يفتح مئات الآلاف من مناصب الشغل، ويعزز من مداخيل الجزائر بالعملة الصعبة، لأنه بديل تمويل مازال لم يستغل بالشكل المطلوب، في ظل غياب التخطيط وفق تصور يجعل من دور القطاع أساسيا في معركة النمو، ويمكن الاستعانة بالكفاءات وتكوين وتدريب خريجي الجامعات وتدريب اليد العاملة، وبالموازاة مع ذلك ينبغي الإشارة إلى أن قطاع السياحة يتطلب إصلاحات أخرى في قطاعات عديدة، من بينها المالية على وجه الخصوص، من خلال إطلاق وتفعيل نشاط شبابيك الصرف وتقنين السوق الموازية للعملة وتعميم الدفع الإلكتروني وما إلى غير ذلك.
المقاربة السياحية التي يمكن أن تجعل من الجزائر قطبا سياحيا مميزا ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار الواقع، وتدرك جيدا أن السياحة لها موارد متنوعة في مختلف الفصول، حيث يمكن تسطير برامج واستثمارات في الجنوب الكبير وفي الشمال وكذا في المناطق الجبلية العذراء إلى جانب السياحة الحموية، وبالإضافة إلى إضفاء المرونة على القوانين الناظمة لهذا القطاع الحيوي الاستراتجي الذي مازال بعيدا عن الدائرة الاقتصادية.
حان الوقت لتحفيز والرفع من حجم الاستثمارات السياحية والتحسيس بأهمية السياحة كمورد اقتصادي يماثل مختلف القطاعات التي تطلق الثروة.