حلول جذرية لتداعيات ظاهرة الجفاف

الجزائـر المنتصرة تكسـب معركــة المياه والــثروة الغابيـة

حمزة.م

استثمـار في البنيـة التحتيـة لتكريــس حمايـة الاقتصـــاد الوطنـي

 شهدت الجزائر، على غرار كثير من الدول، سنوات قاسية من الجفاف وارتفاع غير مسبوق لدرجات الحرارة، ما ألقى بظلاله على قطاعات اقتصادية حيوية، خاصة الفلاحة والصناعات المرتبطة بها، وهدّد وتيرة النمو الاقتصادي. غير أنّ خطة العمل المحكمة التي أقرّها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، مكّنت البلاد من تفادي السيناريو الأسوأ وتحويل الأزمة إلى فرصة لتعزيز البنية التحتية المائية وحماية الثروة الغابية.

منذ بلوغ أزمة الجفاف ذروتها سنة 2021، كان الرّد الجزائري حاسما وسريعا، فقد أطلق رئيس الجمهورية مخطّطا استعجاليا يقوم على محورين أساسيين: تعزيز الأمن المائي وتطوير قدرات مكافحة الحرائق.
في المجال المائي، اعتمدت الحكومة حلا جذريا يتمثل في إنشاء محطات ضخمة لتحلية مياه البحر، بما يضمن توفير المياه للمواطنين والقطاعات الاقتصادية على حدّ سواء، وفي وقت قياسي لا يتجاوز 26 شهرا، أنجزت الكفاءات الجزائرية خمس محطات كبرى، وهو إنجاز تجاوز المعايير الدولية، حيث قلّص مدة الإنجاز مقارنة بالشركات الأجنبية بأكثر من عشرة أشهر.. هذه المحطات المنتشرة عبر ولايات الساحل، حسّنت بشكل ملموس استقرار عملية التزود بالمياه، وسمحت بالقضاء على أزمة العطش التي كانت تهدّد الإنتاج الفلاحي والصناعي على حد سواء.
كما تمّ تنفيذ مشاريع موازية لربط المدن الداخلية بمحطات التحلية، على غرار مشروع تزويد مدينة تيارت بالمياه من الحوض الشرقي على مسافة 42 كلم، مع خطط لمد الشبكات إلى عمق 150 كلم داخل البلاد، ما يعزّز مرونة الاقتصاد الوطني أمام تقلّبات المناخ. وبفضل هذه الجهود، أصبحت الجزائر ثاني أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم العربي، ما يشكّل دعامة أساسية لاستمرار النشاط الاقتصادي حتى في سنوات الجفاف.
أما في مجال مكافحة الحرائق، فقد تعاملت السلطات مع الظاهرة باعتبارها تهديدا مباشرا للاستقرار البيئي والاقتصادي، خاصة وأنّ حرائق الغابات في صيف 2021 و2022 كانت تؤدي إلى خسائر فادحة في الثروة الغابية وتكلفة اقتصادية باهظة، وبإشراف مباشر من رئيس الجمهورية، تمّ اقتناء 12 طائرة قاذفة للمياه، وتسخير 65 رتلا متنقلا للحماية المدنية، إلى جانب 6 مفارز متخصّصة، مع الاستثمار في تكنولوجيات الرصد المبكّر باستعمال الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية بالتعاون مع الديوان الوطني للأرصاد الجوية والوكالة الفضائية الجزائرية.
هذا المخطّط المتكامل لم يكتفِ بإخماد الحرائق في وقت قياسي، بل حافظ على سلامة الأرواح والممتلكات، حيث سجّلت الجزائر خلال صيف 2024 خسائر غابية محدودة لم تتجاوز 25 هكتارا، دون أي ضحايا بشرية، وهو ما انعكس إيجابا على استمرار النشاط الفلاحي والسياحي في المناطق المتضرّرة سابقا.
لقد برهنت التجربة الجزائرية أنّ إدارة المخاطر المناخية ليست مجرّد استجابة ظرفية للأزمات، بل هي استثمار في البنية التحتية الاستراتيجية، يضمن حماية الاقتصاد الوطني ويعزّز سيادته المائية والبيئية، ومن خلال الجمع بين التخطيط المائي طويل المدى، والتجهيزات الحديثة لمكافحة الحرائق، والسيطرة على الأضرار البيئية، استطاعت الجزائر الحفاظ على مسار نموها الاقتصادي، وتجنّب الانكماش الذي شهدته اقتصادات أخرى تحت وطأة الجفاف والحرارة العالية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19849

العدد 19849

الخميس 14 أوث 2025
العدد 19848

العدد 19848

الأربعاء 13 أوث 2025
العدد 19847

العدد 19847

الثلاثاء 12 أوث 2025
العدد 19846

العدد 19846

الإثنين 11 أوث 2025