أداء قوي لقطاعي مواد البناء والنسيج واستقطاب أكبر لليد العاملة
القطاع الصناعي العمومي يستعيد عافيته ويدعم التوجّه نحو التصدير
تحديث المعدات الصناعية.. كلمة السرّ لضمان النوعية والجودة
تمويلات ضخمة يحظى بها القطاع الصناعي، واهتمام كبير يشهده باعتباره قاطرة أساسية في المنظومة الاقتصادية، وفي خضم هذا الزخم الصناعي المتنامي، استقبلت الوكالة الجزائرية عددا كبيرا من المشاريع الصناعية في عدة مجالات، فالصناعة تبقى القلب النابض للتنمية وأحد المسارات الرئيسية للثروة والقيمة المضافة..
ولأنّ اقتصاديات العالم تقاس بمدى تطور وحداثة صناعتها وانخراطها في التكنولوجيا، يواصل هذا القطاع الحيوي توسيع نسيجه، ويعد بمستقبل كبير على أرضية صلبة وخارطة دقيقة، فجميع الأرقام والمؤشّرات تؤكّد على ذلك، بعد أن سجّلت معظم المؤسّسات الصناعية تحسّنا في الأداء خلال الربع الثاني من عام 2025، على صعيد الإنتاج والطلب وكذا التوظيف، إلى جانب تسجيل مؤشّرات خضراء للوضع المالي.حقّقت الصناعة الجزائرية تحولّا جذريا يحمل مؤّشرات إيجابية، ويعد بدخول مرحلة مهمة ستكون محطة حاسمة لانتقال الجزائر إلى مصاف الاقتصاديات الناشئة في غضون سنتين كأقصى تقدير، فالوثبة الاقتصادية المسجّلة، أكّد عليها آخر تقرير للديوان الوطني للإحصاء، بعد تحقّق توقّعه بتحسّن أداء معظم الشركات الإنتاجية، سواء من حيث الإنتاج أو الطلب وحتى على صعيد التوظيف، ولم يتوقف التقرير عند هذا الحد، بل تناول مؤشّرات تحسّن الوضعية المالية للشركات الصناعية، وهذا ما كرّس انتعاشا في النشاط ومسارات جديدة من النمو.ومن العوامل التي ينبغي التطرّق إليها وساهمت في بلوغ هذا المستوى، نذكر التشجيع الكبير للرفع من تنافسية المنتجات لاقتحام الأسواق الخارجية، ولعل الإصلاحات المجسّدة في قطاع الصادرات، رفعت من سقف طموح المنتجين عموميّين وخواص على حدّ سواء، إضافة إلى الإجراء الحصيف الذي منح الأولوية للمنتج الوطني.
زيادة في الطلب والنمو
تكلّلت خيارات القطاع الخاص التنموية بكثير من النجاح، وتمكّن من القفز بثقة نحو الأسواق الخارجية، ومازال ينمو بشكل كبير، ويعول عليه في تحقيق المزيد من الازدهار للاقتصاد الجزائري.
وأشارت آخر المؤشّرات للديوان الوطني للإحصاء أنّ القطاع الصناعي الخاص، سجّل أداء قويا وتاريخيا غير مسبوق خلال الربع الأول من عام 2025، وهذا ما يدعو إلى التفاؤل، خاصة وأنّ النتائج أكّدت أنّ القطاع الصناعي الخاص تجاوز معدل استغلال الطاقة الإنتاجية، وبلغ حدود 75 بالمائة، ما يعكس زيادة ملحوظة في الطلب ونموا في الإنتاج.
وبالموازاة مع ذلك، حقّقت الشركات الخاصة زيادة في عدد العمال، في ظل رحلة بحث العديد منها على اليد المؤهّلة والمهارات وكثير من التخصّصات، ما يفتح المجال للحديث عن أهمية التكوين في المهن الجديدة، سواء على مستوى الجامعات والمعاهد والمدارس العليا إلى جانب مراكز التكوين المهني، للاستجابة لمتطلّبات سوق العمل.
وتفوق القطاع الصناعي الخاص على نظيره العمومي في مجال استغلال الطاقة الإنتاجية بنسبة 25 بالمائة، لأنّ المعدل بلغ 50 بالمائة في معظم الشركات العمومية، وبخصوص الوضع المالي، وصفت وضعية أكثر من نصف الشركات العمومية بـ«الطبيعي”، رغم ارتفاع التكاليف، وهذا ما يعزّز من تعافي وصحة العديد من الشركات العمومية التي تقود إلى جانب القطاع الخاص قطار التنمية وتبحث بعد تلبية الطلب الوطني على التموقع عبر الأسواق الخارجية، والتواجد باستثمارات مهمة في أسواق خارجية، علما أنّ ما لا يقل عن 22 بالمائة من شركات القطاع الخاص و9 بالمائة من شركات القطاع العام، استفادت من القروض المصرفية، والتي تمّ الحصول عليها بانسيابية دون أي عوائق تذكر، بفضل الإصلاحات العميقة التي عرفتها المنظومة البنكية والمصرفية والجهود المبذولة لتعميم الرّقمنة.
تحديث المعدات الصناعية
وفي إطار مواكبة الشركات الوطنية، عمومية وخاصة، للتطور الجاري في محيطها الخارجي، خضعت بشكل مستمر إلى عملية التحديث من أجل الرفع من طاقتها الإنتاجية، إلى جانب الرفع من جودة المنتجات وتخفيض كلفتها، كي تتمتّع بتنافسية عالية في الأسواق الخارجية، وفي ضوء تصريحات مديري 85 بالمائة من الشركات الإنتاجية، أكّد الديوان الوطني للإحصاء أنّ زيادة الإنتاج تعود - بشكل أساسي - إلى تحديث المعدات، وليس إلى عامل التوظيف وحده، وتمت الإشارة -في هذا المقام- إلى أنّ نحو 39 بالمائة من شركات القطاع الخاص وكذلك 27 بالمائة من شركات القطاع العام قامت بتجديد أو توسيع معداتها. وهو ما أثمر في تغيير مسار الاقتصاد الوطني إلى كثافة وجودة الإنتاج، واتساع حجم القيمة المضافة، وانعكس هذا الأداء الجيد على تراجع معدلات التضخّم وارتفاع في نسب النمو وبالإضافة إلى مجمل المؤشّرات الخضراء المحقّقة، بما فيها تلك التي اعترفت بها مؤسّسات مالية مرموقة يتصدّرها البنك الدولي.
وتواجه الصناعة الثقيلة -على وجه الخصوص- تحديات جمة توجد في المتناول بفضل خبرة وقدرات وكفاءات تسييرية احترافية وأخرى ذات خبرة، وهذا ما سمح بتألّق قطاع مواد البناء بأداء قوي ولافت خاصة بعد أن سجّل أعلى معدل تشغيل، متجاوزا نسبة 75 بالمائة، إلى جانب ذلك، سجّلت زيادة معتبرة في الطلب واستقطاب اليد العاملة.
المسار الصحيح نفسه، انتهجه قطاع النسيج والجلود، بعد أنّ حقّق نموا تاريخيا في النشاط، محتفظا باستقرار محسوس في مستويات التوظيف، كما تميّز بسهولة كبيرة في الحصول على القروض. علما أنّ قطاع النسيج يتمتّع بمقومات عالية، وينتظر منه مستقبلا أن يفتك حصة كبيرة من الإنتاج في ظل تسجيل مشاريع استثمارية مهمة في هذا القطاع.أما قطاع الصناعة الغذائية المتطوّر بشكل منحه سمعة طيبة في الأسواق الخارجية، فقد عرف بدوره استقرارا في النشاط وزيادة في الطلب، واستفادت العديد من الشركات من عملية تجديد المعدات وفق خطط مدروسة، بهدف الزيادة في مستويات الإنتاج والتوظيف، مع مؤشّرات إيجابية على تحسّن الوضع المالي.