رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة.. كريم حسن لـ”الشّعب”:

تعزيز قدرة تخزين الحبوب.. مفتاحُ الأمن الغذائي

خالدة بن تركي

تمويل ذكي واستراتيجيات دعم لتحقيق الاكتفاء الذاتي

 يُعدّ تعزيز القدرة التخزينية للحبوب خطوة محورية نحو تحقيق السيادة الغذائية وتقليص الاعتماد على الاستيراد، إذ يوفّر مخزونا آمنا للدولة وقدرة أكبر على مواجهة تقلّبات الإنتاج والأزمات العالمية التي قد تربك سلاسل التوريد، خصوصًا في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة. كما يُسهم التخزين المحكم في استقرار الأسعار، وحماية الفلاحين من خسائر الأساليب التقليدية، والحدّ من الفاقد أثناء النقل، بما يعزّز كفاءة التسويق المحلي ويرفع مردودية القطاع.

 أكّد رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي، كريم حسن لـ«الشّعب” بأنّ تقليص الحاجة إلى الاستيراد العاجل يخفّف العبء المالي على الدولة ويحسّن التوازن التجاري، ويعزّز الاعتماد على الإنتاج الوطني والاستفادة من المخزون الاستراتيجي في أوقات الأزمات.

تطبيقـــات ذكيــة

 كما اقترح المختص في الفلاحة تطوير تطبيقات ذكية لمراقبة وإدارة المخزون باستخدام تقنيات الطائرات بدون طيار وأجهزة الاستشعار، وإنشاء صناديق تأمين للفلاحين لتعويض خسائر الإنتاج الناتجة عن تقلّبات الطقس، إلى جانب الاستثمار في مراكز دعم لوجستيكي قريبة من مناطق الإنتاج، وتعزيز التعاون مع الجامعات ومراكز البحث لتطوير طرق الحصاد والتخزين، وتدريب العاملين في هذا المجال على أساليب حديثة تضمن جودة الحبوب.
وأشار أيضا إلى البرامج الوطنية لتي تعتزم الدولة تنفيذها لإنجاز صوامع التخزين عبر مختلف الولايات، بهدف رفع القدرة التخزينية إلى 9 ملايين طنّ خلال سنة 2025، من خلال إنشاء مراكز جوارية وصوامع كبرى بطاقة استيعابية كبيرة، وتقريبها من مناطق الإنتاج لتقليل الخسائر وتحسين ظروف التخزين، وهي المشاريع التي تخضع لإشراف مباشر من رئيس الجمهورية والوزارة الوصية.
وتعمل الدولة على استخدام تقنيات حديثة في تخزين الحبوب، مثل أنظمة المراقبة والتحكّم في درجة الحرارة والرطوبة، للحفاظ على جودة الحبوب لمدة أطول إضافة إلى ذلك، تشجّع على التعاون مع القطاع الخاص والمؤسّسات الناشئة في مجال النقل والخدمات الزراعية، مع توفير برامج تكوين للشباب على أساليب التخزين الحديثة، ممّا يفتح فرص عمل ويساعد على تنمية المناطق الريفية.
تسعى أيضا إلى ربط صوامع التخزين بشبكات النقل البري والسكك الحديدية، لتسهيل نقل الحبوب من مناطق الإنتاج إلى أماكن الاستهلاك أو التصدير بسرعة وكفاءة، ممّا يقلّل التكاليف ويحدّ من التلف كما يجري العمل على إنشاء قواعد بيانات وطنية لتتبع حركة المخزون بدقة، وضمان توزيع عادل يلبي احتياجات السوق المحلية، مع إمكانية تصدير الفائض في المستقبل، وهو ما يعزّز الأمن الغذائي.

التخزين ركيزة للأمن الغذائي

 وأكّد المتحدث في ذات السياق، أنّ الاستثمار في البنية التحتية للتخزين يشكّل خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن الغذائي على المدى الطويل، حيث يمنح الدولة قدرة أكبر على تنظيم تدفق الحبوب، وضمان استقرار التزويد حتى في حالات تراجع الإنتاج، إضافة إلى توفير مخزون استراتيجي لمواجهة الأزمات، وتحسين جودة الحبوب بما يفتح آفاقا أوسع للتصدير.
كما أشار إلى الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه المجلس الوطني الأعلى للفلاحة والأمن الغذائي في توحيد الجهود الوطنية، عبر متابعة تنفيذ البرامج، ودعم البحث والتطوير، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، الأمر الذي يرفع من كفاءة منظومة التخزين ويسرّع تحقيق الأهداف الزراعية الوطنية.
وتبرز مكاتب الدراسات الفلاحية كعنصر مهمّ في التخطيط وتحليل المخاطر، ومع استكمال إجراءات الاعتماد الوزاري المرتقبة، ستتمكن هذه المكاتب من تقديم مساهمة أكبر وأكثر فاعلية في دعم المشاريع الاستثمارية، بما يعزّز خطوات الجزائر نحو السيادة الغذائية.
كما تعمل الجزائر على تطوير مشاريع التخزين الزراعي من خلال تعاون الدولة مع الفلاحين والقطاع الخاص، بهدف تقليل الهدر وضمان وجود مخزون كاف من الحبوب والمحاصيل الأساسية، هذا المشروع لا يساعد فقط على توفير الغذاء للمواطنين، بل يجعل البلاد أكثر قدرة على مواجهة الأزمات وتقلبات السوق، كما يساهم في استقرار الأسعار وحماية القدرة الشرائية للعائلات، ويعزّز هذا التطوير مكانة الجزائر في الأسواق الإقليمية والدولية.
فبوجود بنية تحتية قوية للتخزين والنقل، وإدارة ذكية للمخزون، تستطيع الجزائر أن تلعب دورا محوريا في التعاون الإقليمي وتبادل الخبرات مع الدول الشقيقة، ما يدعم الأمن الغذائي ويقوي سمعتها كمصدر موثوق ومستدام للمواد الغذائية.

تمويل مبتكر وتقنيات ذكية

  يرى كريم حسن أنّ تعزيز آليات التمويل أساسي لتطوير مشاريع تخزين الحبوب، عبر نظام تمويل مختلط يجمع بين الدعم العمومي، القروض الميسرة، والاستثمار الخاص، كما اقترح برامج ضمان ائتماني للفلاحين والمستثمرين لتقليل المخاطر، وتشجيع إنشاء مراكز تخزين صغيرة ومتوسّطة موزّعة جغرافيا.
وأكّد أنّ الابتكار في التمويل، مثل التمويل الجماعي أو الصكوك والصناديق السيادية، قد يفتح آفاقا جديدة لتوسيع القدرات التخزينية، خاصة وأنّ المختصون في التكنولوجيا يؤكّدون أنّ الرقمنة والذكاء الاصطناعي يرفعان كفاءة إدارة المخزون، من خلال حلول ذكية لمراقبة الحرارة والرطوبة وجودة الحبوب، وأنظمة تحليل بيانات للتنبؤ باحتياجات السوق وتحرّكات الأسعار، كما يمكن لهذه التقنيات تأمين سلسلة التوريد ورصد المخاطر التي تهدّد المخزون.
وأشار إلى أهمية إشراك الفلاحين عبر برامج تدريب على تقنيات التخزين الحديثة، وحوافز مالية وضريبية، وإنشاء جمعيات تعاونية للتخزين الجماعي، كما أنّ اعتماد نظام تأمين زراعي يحميهم من الخسائر المناخية أو تقلبات السوق ويعزّز التزامهم بالجودة.
وشدّد المختص في الفلاحة على ضرورة وضع استراتيجية إقليمية مشتركة لتعزيز الأمن الغذائي، عبر تبادل الخبرات والتقنيات، وإنشاء منصة موحّدة لإدارة المخزون الاستراتيجي، إضافة إلى تطوير مشاريع مشتركة في مجال البنية التحتية، بما يمنح الجزائر دورا محوريا على المستويين العربي والإفريقي.
وعرج في ذات السياق إلى أهمية مراكز البحوث والجامعات في تطوير أصناف حبوب مقاومة للجفاف والآفات، وتحديث تقنيات الحفظ لمواجهة تغير المناخ، كما أنّ التعاون بين المؤسّسات الأكاديمية والحكومية، وإعداد دراسات عن أثر المناخ على سلاسل التوريد، يعزّز مرونة النظام الغذائي الوطني.

مستقبـل مزدهـــر

 قال كريم حسن بالحديث عن أهمية تعزيز القدرة التخزينية للحبوب كخطوة أساسية لتحقيق السيادة الغذائية في الجزائر، تبرز رؤية واضحة لمستقبل أفضل وأكثر استدامة للقطاع الفلاحي، يعكس حرص الدولة على تطوير البنية التحتية، ودعم الإنتاج والتخزين، مع تبني أحدث التقنيات والابتكارات.
ولتحقيق هذه الأهداف، من المهم اتخاذ مجموعة من الإجراءات، أبرزها هيكلة الغرف الفلاحية والمجالس والجمعيات المهنية، وجعلها أكثر نشاطا وفاعلية في خدمة الفلاحين، ويعد التركيز على توظيف الشباب أولوية، فهم يمثلون مستقبل التنمية، بالإضافة إلى استقطاب الكفاءات، وتطوير المهارات، فهو يشكّل خطوة أساسية لمواكبة التغيّرات المستمرة.
كما يلعب الصندوق الوطني للتعاون الفلاحي دورا مهما في توفير الدعم المالي والفني للتعاونيات، وتعزيز التضامن بين المنتجين، ممّا يساعد على مواجهة التحديات، أما اتحاد الفلاحين، فهو صوت المزارعين وحقوقهم، وهو قوة فعّالة على المستويين المحلي والوطني، وشريكا حقيقيا في صياغة السياسات الزراعية.
من خلال هذه الجهود المشتركة، يمكن ترسيخ الحوكمة الرّشيدة، وتنفيذ مشاريع مبتكرة، وضمان استدامة الموارد، فالجزائر اليوم على أبواب مرحلة جديدة قائمة على تكاتف جهود الدولة والمهنيّين، واستثمار القدرات البشرية والتقنية، وبناء شراكات قوية تجعل من الأمن الغذائي واقعا ملموسا.
وعليه، فإنّ تطوير قدرات تخزين الحبوب هو مفتاح الأمن الغذائي في الجزائر، فهو يحمي الإنتاج، ويقلّل الاستيراد، ويدعم الفلاحين، ومع التقنيات الحديثة وتكاتف الجهود، يمكن للجزائر أن تحقّق الاكتفاء الذاتي وتضمن أمنا غذائيا للأجيال القادمة.
نجاح مسبق للمعرض القاري للتجارة البينية والتفاف حاشد حول أهدافه الجزائر تحرك التنمية والاستثمارات بإفريقيا الجديدة

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19849

العدد 19849

الخميس 14 أوث 2025
العدد 19848

العدد 19848

الأربعاء 13 أوث 2025
العدد 19847

العدد 19847

الثلاثاء 12 أوث 2025
العدد 19846

العدد 19846

الإثنين 11 أوث 2025