الابتكار.. قوة الدفع الأولى للانتقال الاقتصادي
فكّ الارتباط التدريجي بالمحروقات.. رهان مرفوع
تسعى الجزائر إلى مواكبة التحولات الاقتصادية العميقة التي يعرفها العالم في ظل هيمنة التكنولوجيا والابتكار، وذلك عبر الاستثمار في الاقتصاد المعرفي وتشجيع المؤسسات الناشئة باعتبارها رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخيارًا استراتيجيًا لفك الارتباط التدريجي باقتصاد المحروقات، وتراهن بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على جعل المؤسّسات الناشئة فضاءً حقيقيًا للابتكار والإبداع، بما يحول الشباب من باحثين عن عمل إلى صانعي فرص جديدة..
وأكّد البروفيسور مراد كواشي، أنّ الجزائر تشهد ديناميكية غير مسبوقة في مجال المؤسّسات الناشئة والاقتصاد المعرفي، تجلت خصوصا في إنشاء وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسّسات الناشئة والمؤسسات المصغّرة، إلى جانب الاهتمام الذي توليه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لهذا الملف الاستراتيجي.
وقال كواشي في تصريح لـ«الشّعب”، إنّ الاهتمام بالمؤسّسات الناشئة يترجم من خلال تنظيم تظاهرات وملتقيات جامعية تهدف إلى حث الطلبة والشباب على إنشاء مؤسّساتهم الخاصة، بدل الاكتفاء بالبحث عن مناصب عمل تقليدية، وهذا في إطار الجهود المبذولة من قبل وزارة التعليم العالي لتشجيع الطلبة، وأشار إلى أنّ الجزائر تتمتّع بما يقارب مليوني طالب جامعي، وهو رقم كبير لا يمكن لأي دولة أن توفّر مناصب عمل مباشرة بهذا القدر، ما يجعل من استراتيجية المؤسّسات الناجعة إضافة هامة لسوق الشغل، حيث يتحول طالب العمل إلى عارض لمناصب الشغل.
وعن التحديات التي تواجه الشباب، أكّد الخبير الاقتصادي على أنّ السلطات العليا تعمل على تذليل العقبات التشريعية والبيروقراطية والتمويلية، ويظهر ذلك في إنشاء وكالة وطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، بما يتيح توفير قنوات دعم فعّالة للمؤسّسات الناشئة.
صنّــاع الـــثروة
وأشار كواشي إلى أنّ الجزائر تحتل مراتب متقدمة إفريقيًّا في مناخ الأعمال الخاص بالمؤسسات الناشئة، نتيجة التحسّن الملحوظ في النظام البيئي الريادي، مؤكّدا أنّ هذه النتائج “لم تأت بشكل اعتباطي، وإنما هي ثمرة رؤية استشرافية للرئيس عبد المجيد تبون، ومجهودات وزارتي التعليم العالي والاقتصاد المعرفي في تشجيع الطلبة على خوض غمار ريادة الأعمال، وتوفير بيئة حاضنة لنمو الأفكار والمشاريع المبتكرة”.
وأبرز محدثنا أنّ الرهان الحقيقي اليوم يكمن في تغيير ذهنيات الشباب الجامعي، ليتحولوا من مجرّد باحثين عن مناصب عمل إلى فاعلين اقتصاديّين وخالقين للثروة ومناصب الشغل، وهو ما يساهم في تنويع الاقتصاد الوطني.
فكّ الارتباط بالمحروقات
وعن سؤالنا المتعلّق بمدى مساهمة اقتصاد المعرفة في ترقية الاقتصاد الوطني بعيدا عن المحروقات، أوضح كواشي أنّ الظرف الاقتصادي العالمي يشهد تحوّلا جوهريا، حيث لم تعد كبريات الشركات العالمية تتصدّر المشهد، بل أصبحت شركات التكنولوجيا والاقتصاد المعرفي مثل مايكروسوفت ومؤسّسات أمريكية رائدة في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات هي التي تتصدّر من حيث القيمة السوقية، وأضاف أنّ هذا التحول يعكس التوجّه الراهن للاقتصاد العالمي نحو المعرفة والابتكار، ما يفرض على الجزائر السير في هذا الاتجاه، وفكّ الارتباط التدريجي بالمحروقات، عبر استثمار الطاقات الشابة وأفكارها الريادية.
رجـال الأعمـال داخـل الجامعات.. ضـرورة
وحول دور الجامعات في دعم المؤسّسات الناشئة، قال كواشي إنّ الجامعات الجزائرية تبذل مجهودات معتبرة في مجال تشجيع المقاولاتية، بداية دور المقاولاتية أو عبر الهياكل التابعة لها التي تعمل على التعريف بمفهوم المؤسسات الناشئة وتحفيز الطلبة على تقديم مشاريع ابتكارية، كما توفّر هذه الهياكل فضاءات لمرافقة الطلبة في مختلف مراحل صياغة مشاريعهم، وقال إنّ “الوقت قد حان لتطوير هذا الدور أكثر، من خلال تغيير الخطاب الجامعي الذي ما يزال - في معظمه - نظريا، قريبا من خطاب التنمية البشرية أكثر من قربه إلى الواقع الاقتصادي، وأضاف أنّ “الخطاب الأكاديمي يحتاج إلى دعم عملي ومباشر يربط الطالب بعالم الأعمال الحقيقي”، وأضاف أنّ ضمان نجاح المؤسّسات الناشئة يستدعي إشراك رجال أعمال ناجحين وأصحاب مشاريع قائمة ليرافقوا الطلبة، بتجارب ميدانية واقعية تمنح الطلبة أدوات عملية لتجاوز العقبات التي قد تواجههم.
حقــول العمــل
وعن المجالات الأكثر جذبا لرواد الأعمال الجزائريّين، يقول كواشي إنها تتّجه بالدرجة الأولى نحو التجارة الإلكترونية، باعتبارها قطاعا يعرف توسّعا كبيرا في السنوات الأخيرة، بفضل انتشار الهواتف الذكية، وارتفاع نسب الاستهلاك الرقمي لدى الشباب، وأضاف أنّ هناك توجّها متزايدا نحو إنشاء قواعد بيانات إلكترونية، سواء في مجال التجارة أو في قطاعات أخرى، بهدف تقديم خدمات متنوعة مرتبطة بالحوسبة وتكنولوجيا الإعلام الآلي، ويرى أنّ هذا التوجه يعكس وعيا متناميا لدى الشباب بأهمية البيانات والمعطيات الرقمية في بناء نماذج أعمال حديثة وفعّالة.
وأكّد كواشي وهو يجيب عن تساؤلنا المتعلق بكيفية مساهمة المؤسّسات الناشئة في حل المشكلات اليومية، أنّ المؤسسات الناشئة تتميز بقدرتها على ابتكار حلول عملية لمشكلات يومية تواجه المواطن والاقتصاد الوطني على حد سواء، فهي لا تنشأ وفق النمط التقليدي للمؤسّسات، وإنما تقوم على مبدأ الابتكار في مجالات لم تكن موجودة من قبل.
ويرى محدثنا أنّ الابتكار يجعل من المؤسّسات الناشئة فاعلا أساسيا في معالجة المعضلات الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثَمَّ المساهمة في تطوير الاقتصاد الوطني وتحسين نوعية حياة المواطن.