الخبير الاقتصادي البروفيسور مراد كواشي لـ”الشعب”:

النقل البحري..عصبُ الاقتصاد الجديد

خالدة بن تركي

 دور هام في بلوغ 29 مليار دولار صادرات خارج المحروقات 

جذب السيّاح الأجانب وتسهيل تنقل الجالية الجزائرية بالخارج

يشكّل النقل البحري في الجزائر ركيزة حيوية لدعم الاقتصاد وتنويع الصادرات، إذ تسعى البلاد بفضل موقعها الاستراتيجي إلى تحديث الأسطول وتطوير الموانئ وفتح خطوط جديدة مع عدة دول، في مسعى لرفع صادراتها خارج المحروقات إلى 29 مليار دولار بحلول 2030، وجعل القطاع محركًا رئيسيًا للاقتصاد وتنشيط السياحة.

قال الخبير الاقتصادي البروفيسور مراد كواشي في تصريح لـ«الشعب”، إن النقل البحري يعد من أهم القطاعات التي تؤثر مباشرة في التنمية الاقتصادية، حيث يلعب دورًا في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز التبادل التجاري مع الخارج.
وأضاف أن الجزائر، من خلال قانون الاستثمار الجديد، تسعى إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية عبر تحسين مناخ الأعمال وتطوير البنية التحتية، سواء في النقل البري أو الجوي أو البحري، وهو جانب يحظى باهتمام كبير من طرف المستثمرين.
وأوضح كواشي أن الجزائر وضعت هدفًا يتمثل في بلوغ 29 مليار دولار كصادرات خارج المحروقات بحلول 2030، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون الاعتماد على منظومة نقل متطورة، خصوصًا النقل البحري. فزيادة الصادرات من المعادن مثل الحديد والفوسفات، أو من الطاقة مثل الغاز الطبيعي المسال الذي يصل اليوم إلى أسواق آسيا، يتطلب بالضرورة تحديث هذا القطاع.
وصرّح في السياق ذاته أن تطوير النقل البحري لا يقتصر فقط على تحديث الأسطول والموانئ، بل يشمل أيضًا تحسين الخدمات اللوجستية وتبسيط الإجراءات الجمركية لتسهيل حركة البضائع. كما أشار إلى أن تعزيز الكفاءات البشرية في هذا المجال، من خلال تكوين متخصصين في تسيير الموانئ والتقنيات الحديثة، يعد عنصرًا مهمًا لدعم تنافسية الجزائر في الأسواق العالمية.
وأفاد أيضًا أن الجزائر تسعى إلى تعزيز مكانتها السياحية دوليًا بفضل ما تملكه من مؤهلات كبيرة، غير أن نجاح هذا القطاع يبقى مرتبطًا بشكل أساسي بتطوير النقل البحري، سواء من أجل جذب السياح الأجانب أو لتسهيل تنقل الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج. فالنقل البحري يظل الوسيلة الأقل تكلفة مقارنة بوسائل النقل الأخرى، إضافة إلى ما يقدمه من مزايا سياحية مهمة.
كما أوضح أن الجزائر اعتمدت، خلال السنوات الأخيرة، سياسة دبلوماسية نشطة لتنويع شراكاتها الاقتصادية مع دول مختلفة، من الصين وسلطنة عمان إلى دول أمريكا اللاتينية وحتى مجموعة “آسيان” في آسيا، غير أن نجاح هذه الشراكات يتطلب ربطًا فعالًا عبر النقل البحري نظرًا لبعد هذه الأسواق.
وقال البروفيسور إن تحقيق الأهداف التنموية الكبرى للجزائر، سواء في تنويع الصادرات خارج المحروقات أو في تطوير قطاعات حيوية مثل الطاقة والمناجم والسياحة، يظل رهينًا بامتلاك ترسانة قوية وحديثة للنقل البحري، تكون قادرة على مواكبة التحديات العالمية ودعم طموحات الاقتصاد الوطني.
وأكد الخبير الاقتصادي أن النقل البحري يلعب دورًا مهمًا في تنشيط الاقتصاد وفي دعم السياحة، موضحًا أن هذا القطاع يعد وسيلة أساسية لربط الجزائر بالأسواق العالمية وتسهيل حركة السلع والخدمات. وأشار إلى أن الجزائر تعمل على توسيع أسطولها البحري وتطوير موانئها من أجل تعزيز التنافسية وتقليل التكاليف، وهو ما يساعد على رفع الصادرات وتنشيط التجارة.
كما صرّح أن الاهتمام بالنقل البحري لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل يمكن أن يساعد أيضًا في تشجيع السياحة البحرية وجذب الجالية الجزائرية من الخارج، خاصة في فترات العطل، مما يساهم في تعزيز مكانة الجزائر في البحر المتوسط ويجعلها أكثر انفتاحًا على السياح والأجانب.
وأفاد في هذا الخصوص أن الجزائر أطلقت خلال الأيام القليلة الماضية خطين بحريين جديدين، الأول مع سلوفينيا والثاني مع سلطنة عمان، وذلك في إطار الزيارات الرسمية على أعلى مستوى التي أثمرت توقيع عدة اتفاقيات، أهمها توسيع حجم التبادل التجاري بين الجزائر وهذين البلدين.
ويرى كواشي أن هذه الخطوة ستعزز الحركية الاقتصادية وتدعم التعاون الثنائي، من خلال زيادة حجم المبادلات التجارية وتوسيع مجالات الاستثمار، إضافة إلى تحسين تدفق السلع والخدمات بين البلدين، بما يساهم في زيادة المنافسة ودعم النمو الاقتصادي المستدام.
وأضاف المتحدث أن الحكومة بصدد إنشاء خط بحري يربط الجزائر بالدوحة مرورًا بموانئ تونس وليبيا ومصر والسعودية، على أن يتم ربطه لاحقًا بالخط البحري القائم بين الجزائر ودكار في السنغال عبر نواكشوط بموريتانيا. وأكد أن هذه المشاريع العملاقة تأتي في سياق الحركية الكبيرة التي تعرفها الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية مؤخرًا، والتي نتج عنها شراكات نوعية مع دول من مختلف القارات: آسيا، إفريقيا، أوروبا وحتى أمريكا اللاتينية.
ويعتبر كواشي أن فتح هذه الخطوط البحرية مع عدة دول سيساهم بشكل مباشر في زيادة حجم التبادل التجاري وتشجيع الاستثمارات البينية، حيث ستسمح هذه الخطوة بانسياب السلع والخدمات بشكل أسرع وأكثر مرونة، مما يدعم تنافسية المنتوج الجزائري في الأسواق الخارجية.
كما أبرز الخبير الاقتصادي أهمية الشراكات مع الشركات الأجنبية التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في تطوير قطاع النقل البحري ودعمه اقتصاديًا، لكون هذا القطاع يشهد على المستوى العالمي تطورات هامة، سواء في جانب التكنولوجيا أو الابتكار أو أنظمة التمويل، وحتى في طرق تسيير وإدارة الموانئ.
وأضاف أستاذ الاقتصاد أن مثل هذه الشراكات لا تقتصر فقط على نقل الخبرة والتجربة، بل تفتح المجال أيضًا أمام الجزائر للاستفادة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما يساهم في تحديث البنية التحتية للموانئ وتكوين الكفاءات المحلية، وبالتالي رفع تنافسية الجزائر في السوق الإقليمية والدولية.
وأكد الخبير الاقتصادي أن هذا ما تحتاجه الجزائر من أجل تطوير موانئها بما يتماشى مع المعايير الدولية، وإنشاء موانئ جديدة تراعي نفس المواصفات. كما شدّد على ضرورة تحديث أنظمة تسيير الموانئ لتكون أكثر كفاءة وفعالية، إضافة إلى تجديد الأسطول البحري باقتناء سفن وبواخر حديثة تستجيب للتحديات والرهانات الاقتصادية الجديدة.
وعليه، فإن النقل البحري يمثل دعامة أساسية للاقتصاد، فهو لا يقتصر على نقل السلع فقط، بل يساهم أيضًا في دعم الصادرات وجذب الاستثمارات وتنشيط السياحة. ومع سعي الجزائر لرفع صادراتها خارج المحروقات إلى 29 مليار دولار بحلول 2030، يبقى تطوير الأسطول البحري والموانئ وتبسيط الخدمات من أهم الشروط لتحقيق هذا الهدف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19858

العدد 19858

الإثنين 25 أوث 2025
العدد 19857

العدد 19857

الأحد 24 أوث 2025
العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025
العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025