المجاهد “بودينة الجمعي” ورفقاؤه لـ”الشعب”: 

ضرورة كتابة التاريخ الوطني واستعادة أرشيف الثورة

مفيدة طريفي

 أدلى المجاهد “بودينة الجمعي”، التابع لمنطقة “الدوسن”، دائرة أولاد جلال، ولاية بسكرة، بشهادة حية، حيث أكد خلالها لـ«الشعب”، وهو يرويها بمرارة، أن ذكرى 17 أكتوبر 1961 هي حلقة من حلقات سلسلة طويلة من التقتيل والتعذيب طالت الشعب الجزائري داخل وخارج الوطن منذ بداية اندلاع الثورة. وقال المجاهد على هامش منتدى “الشعب”، عايشنا الاستعمار واعتبرنا أن ما حدث للمهاجرين الجزائريين بفرنسا كارثة إنسانية، لنقوم بعدها عبر كافة الولايات العسكرية بعمليات فدائية، هجومات عسكرية على العدو الغاشم وذلك كرد فعل على الظلم والمجزرة الرهيبة التي ألمت بالجزائريين ذلك اليوم، في اعتقادهم أن ارتكاب هكذا جرائم تمكن من كبح الثورة داخل الوطن ووضع حد لها، إلا أن الحادثة الأليمة زادتنا إصرارا واعتقادا بضرورة استرجاع السيادة وانتزاع الحرية بالسلاح وبالسلاح لا غير.

جرائم فرنسا... لن تكبح كفاح شعب أراد الحرية
عمي “بودينة” الذي كان يتحدث لنا وعيناه تدمعان لعمق الذكريات الأليمة التي ماتزال محفورة في ذهنه حول بشاعة الاستعمار، تحدث عن نقطة أثرت في مجرى حواره معنا والمتمثلة في أنه ورغم الاستقلال وافتكاك الحرية بقوة العزيمة والإيمان بالدفاع عن الوطن، إلا أنه ورغم الاستقلال لايزال التخوف قائما على أمن واستقرار الجزائر الأبية التي راح ضحيتها المليون ونصف المليون شهيد. في هذا الإطار، قال عمي بودينة “إن الاستعمار حتى ولو خرج بقوة السلاح، إلا أنه مايزال موجودا بأفكار خبيثة ومناورات لضرب استقرار الجزائر. فالمؤامرات والدسائس الخبيثة أصعب من حرب السلاح، هذه الذي أطلق عليها عمي “الجمعي” بحرب الأفكار التي تعتبر من أصعب الأشياء، فجزائر اليوم تحتاج، بحسبه، رجالا عظماء يستثمرون في الأفكار قبل الجدران، وهي ما ستضمن وحدة الشعب والتمسك بمبادئ الشهداء.
وبخصوص دور الولاية السادسة التاريخية، ذكر بودينة أنها كانت من أكبر الولايات العسكرية التي كانت تمتد من ولاية الجلفة إلى تمنراست، أين كان العدو آنذاك متفوقا علينا بالسلاح المتطور ونحن المجاهدين كنا مسلحين بروح التضحية والوطنية، خاصة ونحن كنا نحارب بالولاية السادسة “جيشين كاملين”، وهما جيش “بلونيس الخائن” و«الجيش الفرنسي”، الطامحين لتقسيم الجزائر وفصل الجنوب عن الشمال، إلا أنه وبالرغم من الجهل والأمية الذي كان يطبع المنطقة، إلا أن وحدة الشعب وإيمانه بالاستقلال شعبا وأرضا كان عائقا أمام أطماع وأهداف الجيشين بضرب الولاية السادسة.
وعن روح التعاون، روى المجاهد “بودينة” عن كيفية التنظيم والمراقبة التي كانت تطبق لتسيير الولاية التاريخية وجعل الجهاد منظم ومؤثر في جيوش الاستعمار، بدءا من الاحترام المتبادل بين القادة والمجاهدين، من الشهيد “محمد شعباني” الذي كان مسؤول الولاية السادسة قام ذات يوم بدورية مراقبة مست المجاهدين بالجبال، حيث لاحظ مجاهد لباسه العسكري ممزقا فقام  “سي شعباني” باستبداله بآخر تخصه كان يرتديه خوفا عليهم من الإحساس بالتراجع وانتشار فكرة الخوف من الفشل في التموين وهي الحادثة التي اعتبرها عمي “الجمعي” إيثار القائد لأخيه المجاهد عن نفسه.
ووجه محدثنا رسالة لأبناء الاستقلال أن يكونوا حراسا لأمانة الشهداء وعلى فرنسا الاعتراف بجرائمها القذرة التي ارتكبتها في حق الجزائريين داخل وخارج الوطن، كما اعترفت ألمانيا لفرنسا وهو ما سيؤثر في العلاقات المستقبلية بين البلدين، وما علينا سوى استدراك عملية كتابة التاريخ، لأن التأخر في ذلك يساعد في طمس الهوية الجزائرية.
الحرية والاستقلال كانا حافزين لنا... والتموين الهاجس الأكبر
وفي حديث آخر أجريناه مع أحد المجاهدين الذين كانوا مكلفين بالتموين، وهو المجاهد “قريرة محمد” الملقب (بوضياف)، حيث كان يقوم بدوريات نحو تونس مشيا على الأقدام رفقة الشهيد “مداني وصاولي موسى”، حيث روى مدى صعوبة المسالك للخروج وجلب الأسلحة والمؤونة للمجاهدين، حيث تحدث عن المناورات الخطيرة التي كانت تواجههم وذلك على غرار معركة “وادي هلال” أين استشهد خلالها شهيد وسقوط 7 جرحى وهي واحدة من المعارك الضارية التي لم تنل من عزيمتنا في جلب السلاح للإخوة المجاهدين.
وأكد قريرة، أن معظم الأسلحة التي ساهمت في إحياء الثورة بالجنوب، كانت تجلب من تونس والمغرب والباقي يسترجع أثناء المعارك، وكذا الأسلحة التي تخلفت أثناء الحرب العالمية الثانية بالأوراس، ليضيف بمناسبة الذكرى الأليمة ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها المرتكبة ضد الشعب الجزائري وهو ما اعتبره خطوة أولى لتحسين العلاقات بين البلدين، ليوجه عمي محمد رسالة للشباب الجزائري مفادها، محاولة معرفة التاريخ الذي سيزيد من روح الوطنية والحفاظ على تاريخ الجزائر الذي راح ضحيتها آلاف الشهداء.
وإلى جانبه تحدثنا والمجاهدة “ميلود نافجة” وهي زوجة الشهيد “باباش عمر”، هذه المرأة الفذة التي تعرضت، بحسبها، لأبشع أنواع التعذيب، فقد جاهدت بتموين المجاهدين بالأكل والملابس والمحافظة على الملفات الخاصة بالثورة والمجاهدين، حيث أكدت أنها ورغم مرور السنوات إلا أن طلقات الرصاص ماتزال في ذهنها وتحمد الله على نعمة الاستقلال. 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024