أشادت بما حققته المرأة الجزائرية، الوزيــرة السـابقة زهور ونيسي:

“كلنا في خدمة الوطن”

أسامة إفراح

التعصب الديني لن يزول بسهولة

لم تخفِ الأديبة والوزيرة السابقة زهور ونيسي، تفاؤلها بخصوص الوضع العام للمرأة، حيث أشارت، من خلال ورشة «الشعب»، إلى المكاسب التي حققتها والمناصب التي باتت تتبوأها... كما ركزت على دور الإعلام المحوري في تغيير العقليات والذهنيات المعيقة لقيام المرأة بدورها في خدمة الوطن والمساهمة في حمايته، إن سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا، ولن يتأتى ذلك إلا بالعمل على أبعاد ثلاثة: الإنسان، الثقافة والتطور..

أول ما بدأت به الوزيرة السابقة زهور ونيسي، كان التقدم بالشكر والتحية لـ “الشعب”، مديرة وصحافيين وعمالا، قائلة إن سبب الافتخار بهذه الجريدة، هو أنها “كانت مدرسة لنا ولأنها تحمل اسم الشعب وتهتم بهموم الشعب وقضاياه”.
واعتبرت ونيسي، أن القضية التي طرحتها «ورشة الشعب»  للنقاش هي غاية في الأهمية، لأنها تحتل زمنيا الماضي والحاضر والمستقبل، وأصرت على عدم التفريق بين المرأة والرجل في هذه المسألة بالذات، لأن الأمر يتعلق بالانتماء إلى الوطن. ورأت في المرأة الجزائرية الأم والأخت والزوجة والمربية، وأن في كل ما قد تقوم به هذه المرأة، حتى في أعمالها المنزلية اليومية، تعبير عن حبّها لهذا الوطن.. “كيف ندافع عن هذا الوطن؟”، تتساءل ونيسي، وتجيب بأن هذا الأمر يتحقق عندما تكون المرأة مواطنة صالحة وكاملة الحقوق.
«لا يمكن أن نصنع هذه المواطنة الصالحة إلا بالثقافة والتعليم والوعي السياسي، وبالتالي لا يمكن أن تؤثر فيه أي عراقيل فكرية أو سياسية، وفي الأخير لا يهم إلا حب الوطن والشغف به”، تقول ونيسي، التي تلخص مقومات القيام بهذا الواجب في أبعاد ثلاثة: الإنسان، الثقافة والتطور.
واعتبرت ونيسي، أننا كلنا جنود في هذه البلاد، كلّ بتخصصه، مؤكدة على ضرورة تعميم وتدعيم الديمقراطية، مع المساهمة الفعالة للمجتمع المدني: “فالثقافة لا تصنعها وزيرة الثقافة ولا الإدارة، وإنما المثقفون والمجتمع المدني، الذي يجب أن يكون في المستوى”.
وقالت الأديبة، معلقة على ضيفة أخرى قادمة من إليزي، وهي السيدة فاطمة الزهراء شويطر: “أعتقد أن فاطمة هي أحسن نموذج للجزائر العميقة، بما تعانيه المرأة من ذهنيات وعراقيل، وهو أمر موجود في الجزائر ككل”.
وسردت ونيسي ما حدث خلال زيارتها لتمنراست في فترة الثمانينيات، حيث قالت الوزيرة السابقة، إنها خلال تدشينها لمدرسة هناك، مسحت على رأس فتاة فجاء والدها يشير إلى أنها ابنته، فسألته الوزيرة إن كان سيتركها تواصل دراستها فأجاب: “إن كانت ستصير مثلك فسأفعل”، وعلقت ونيسي على هذه القصة بالقول، إن الجزائري يبحث عن نموذج معين يحب لأولاده أن يتبعوه، لذا على المرأة أن تقدم هذا النموذج.
ولكن هذا تقابله عراقيل ومطبات، على رأسها الجهل والأمية ونقص الوعي الفكري والسياسي، وعدم قيام القنوات بدورها كما ينبغي، ونشر الثقافة المادية التي قضت على القيم الروحية. لذا فلابد من قرارات سياسية فوقية لمعالجة أوضاع المرأة، وهو ما قام به رئيس الجمهورية، تقول ونيسي، التي لا تنفي بأن البرلمانيات لهن إيجابياتهن ولكن كذلك لهن مساوئهن، إلا أن هذه تبقى خطوة إيجابية ومجرد بداية. “كنا نرفض، في اتحاد النساء الجزائريات، طريقة الحصص «الكوطة» وأن يتصدق الرجال علينا بالمناصب، بل عليهن أن يصلن بفكرهن وعملهن”، تؤكد ونيسي.

العنف وليد الغزو الثقافي

تطرقت الأديبة زهور ونيسي إلى ظاهرة العنف، التي ليست ميزة للجزائر فقط، بل فرضته المتغيرات الدولية، واعتبرت بأننا نعيش “توبة طوعية للغرب”، وبأننا مقتحمون بالغزو الثقافي. فحتى الطفل عندنا لا تعجبه سوى أفلام الأكشن بما فيها من مشاهد عنيفة، وحتى ألعاب الأطفال ملئى بالعنف. كما أشارت محدثتنا إلى تغييب قيم مجتمعية غاية في الأهمية، مثل طاعة الوالدين والحياء وقبول النصح، وقالت إن السبب راجع إلى كوننا لم نحصن أنفسنا.
من جهة أخرى، قالت ونيسي إن ما غرسه التعصب الديني على مدى عشرية من الزمن لن يزول بسهولة، والضحية الأولى لذلك، وللأسف، هي المرأة لأنها استبيحت وقتلت وسُبيت... لذلك وجب وضع هذه المرحلة التي عشناها نصب أعيننا حين الحديث عن قضايا المرأة.
وربطت السيدة ونيسي فكرتها بقضية أخرى هي التربية والتعليم، حيث قالت إننا بعد نصف قرن من الاستقلال، مانزال نبحث عن النموذج الواجب اتباعه، ونتساءل إن كان المثال الغربي هو ما يصلح أو فقط جزء منه، واعتبرت بأن الحداثة ليست قطيعة معرفية مع الماضي، بل هي “علم على علم ومعرفة على معرفة، وتراكم في التجارب”.
وأكدت ونيسي على ضرورة أن نصنع نموذجنا الخاص بعبقريتنا.. تقول: “كنا ندرس في المدارس الحرة اللغة الفرنسية ولم نكنّ لها العداء، وهذا لم يمنعنا من دراسة المواد الأخرى.. علينا أن نطور المناهج، البيداغوجيا، البحوث، الكتاب، اختيار الألعاب، إعادة دور الوالدين المستقيلين، فغابت بذلك الأسرة الموحدة”.
وتطرقت الأديبة زهور ونيسي إلى دوْر دُور النشر الكبير من حيث توجهها: حيث أكدت أنها لا تؤمن بطبع كتاب في دار نشر لها تفكير عنصري أو رجعي أو ظلامي، وفي نفس الوقت لا ثقة يمكن وضعها في دار نشر تتخلى عن كل شيء وتقلد الغرب في كل شيء.. “نحن جئنا بالاستقلال وانتصرنا على فرنسا انتصارا تاريخيا، ولن تنسى فرنسا ولن تسامحنا على ذلك.. هذه ليست لغة خشب وإنما هو التاريخ، نحن نتعامل مع فرنسا الند للند وليس على أساس مستعمَر (بفتح الميم) ومستعمِر (بكسر الميم)، ونحن لا قابلية لدينا للاستعمار”، تقول ونيسي، التي لم تنف أهمية اللغات الحية، ولكن اللغة الحية العالمية والأكثر انتشارا اليوم هي الإنجليزية، مؤكدة أنها لا تكنّ لأي لغة العداء.

تفاؤل...

لم تخفِ الأديبة زهور ونيسي تفاؤلها بتحسن وضع المرأة، وهو الذي مافتئ يتحسن بالفعل، على مرّ العقود، حيث تقول إن نسبة تعليم الفتيات لم تكن تتعدى 20 من المائة في تمنراست، وهي اليوم أكثر بكثير. كما أن نسبة تواجد المرأة في الجامعة أكبر بجلاء من نسبة الرجل.. كما أشارت إلى المناصب التي باتت المرأة تتبوأها اليوم في مختلف المجالات، من الصحة إلى التعليم إلى الإعلام، إلى الإدارة والوزارات، وحتى في قلب الجيش الوطني الشعبي.
وأشارت ونيسي إلى دور الإعلام المحوري، حيث يتوجب عليه القضاء على الأفكار المغلوطة التي يروّج لها هنا وهناك، معتبرة أن القانون وحده لا يكفي، مهما كان جميلا ومنصفا وعادلا، في مجتمع متخلف، لأن العقليات والذهنيات هي التي تتحكم وتفرض منطقها. إذن فـ«التغيير يجب أن يبدأ بالثقافة والتوعية”.
وخلصت الأديبة زهور ونيسي، في تطرقها إلى هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها المنطقة عموما، والجزائر بوجه خاص، إلى ضرورة قيام المرأة بدورها كاملا، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، عن طريق التوعية والتجند من خلال كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وبالخصوص عن طريق الإعلام.
وتحدثت ونيسي عن تجنيد وتعبئة لمرحلة صعبة جدا “لم نفكر لها ولم نخطط لها، وقد يكون الانكسار فيها أكثر من العشرية السوداء، لا قدّر الله”. ولكن أول من يجب عليه مساعدة المرأة في القيام بواجبها هذا، هو الرجل الذي سيسمح لها بالقيام بدورها على أكمل وجه.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024