الكاتبة زهور ونيسي لـ «الشعب»:

أخلقة الإعلام وإرساء هامش معتبر من الحرية ضروري للصحافيين

فضيلة بودريش

دعت الكاتبة والوزيرة السابقة زهور ونيسي إلى أخلقة الإعلام في ظل هامش معتبر من الحرية لممارسي المهنة، مشرحة واقع وآفاق المشهد الإعلامي في الجزائر بشقيه العمومي والخاص، وقالت إن كانت الثورة التحريرية المجيدة قد أخذت حقها إعلاميا فإنها ثورة إنسانية يجب أن يكتب أحداثها من صنعوها وعايشوها ثم يأتي المؤرخ ليضع لمسته الأخيرة.

@الشعب: كيف تشخصين مسار الإعلام في الجزائر، مع تحديد مكاسب ونقائص التجربة؟  
@@الكاتبة والوزيرة السابقة زهور ونيسي : لا يمكن فصل الإعلام عن الأشواط التي قطعتها الجزائر منذ الاستقلال، وعلى اعتبار أن الإعلام يمكن التأريخ له منذ بوادر ظهور الحركة الوطنية التي شهدت صدور عدة جرائد باللغة العربية على غرار البصائر والشهاب والمنتقد للإمام بن باديس والشيخ أبو اليقظان أب الصحافيين، حيث كلما أصدر صحيفة صادرها المستعمر.
وبعد افتكاك الجزائريين استقلالهم من  المستعمر، كانت الصحافة قد تحررت بدورها، ولعبت دورا هاما في الدفاع عن القضايا الجوهرية في صدارتها تحرر البلدان المستعمرة من ربقة الاستعمار وإرساء العدالة الاجتماعية وما إلى غير ذلك، ولن نبالغ إذا قلنا أنه كان للإعلام إسهامات واضحة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
 
حرية التعبير مكرسة مادام الإعلامي قادر على الانتقاد

@ما رأيك في المساحة التي تحتلها حرية التعبير في الجزائر؟
@@حرية الإعلام ليست غريبة على المواطن والمجتمع الجزائري، والجديد الذي شهدناه منذ الانفتاح السياسي والإعلامي في مطلع التسعينات أن وسائل الإعلام صارت تدافع عن قناعاتها، فالمعارضة تدافع عن قضاياها والقطاع العمومي له منابره الإعلامية، وصار بإمكان هذا الاختلاف أن يقدم الكثير من الوعي للمواطن وينفتح على الفكر السليم من أجل التطلع لكل ما هو أسمى.
لكن الغريب أن تصبح بعض الصحف لقلة مهنيتها وانعدام احترافيتها وسيلة لتصفية حسابات وينتج عن ذلك عملية تخريب للأفكار، ومحاولة تهديم كل ما هو إيجابي .
وحرية التعبير ضرورة لأنها تكفل حق المواطن في التزود بالخبر والاطلاع على الحقيقة، لكن كل ما يتعلق بالثوابت الوطنية  يجب ألا يمس.
أرى أن حرية التعبير مكرسة مادام الإعلامي قادر على انتقاد ما يشاء من مسؤولين، ولأن الجزائر كانت من الدول العربية السباقة للانفتاح الإعلامي.

@ما هي الضوابط التي ينبغي للإعلامي أن يتواخها في تأدية رسالته؟
 
@@نود أن تلتزم الصحافة بالموضوعية في طرح القضايا الجوهرية، ولا يعقل من صحيفة أن تنشر كل ما هو إيجابي أو كل ما هو سلبي ..
ومن المفروض أن يقوم الإعلام بتثقيف المواطن والدفاع عن حقوقه، كونه يحمل رسالة إنسانية جميلة مثل تلك التي تقوم بها الثقافة والفنون من رسم ومسرح وما إلى غير ذلك .
وليس دوره تحطيم معنويات المواطن الذي عندما يتصحف بعض الجرائد تعبث بأعصابه،لأن للإعلام الحقيقي هامش للنقد والتصحيح حيث تطرح الأمور بموضوعية ولا يكشف عن وجه واحد، وحتى لا يتحول الإعلام إلى تجارة تدافع عن أشخاص ضد آخرين أو تكون في خدمة أصحاب المصالح ولكل من يدفع أكثر، وأتأسف لوجود إعلام ما يصطلح عليه بصحافة الفضائح، لكنني أدافع عن ضرورة تقليد الصحافة النظيفة التي تنتقد بموضوعية دون شتم أو سب وكذا إضعاف معنويات القارئ.
 
@هل حظيت الثورة التحريرية المجيدة بحقها إعلاميا، أليس من باب الديمقراطية أن ينال من حرروا البلاد حقهم الإعلامي ؟  

@@الثورة ليست خبرا يجب أن يكون حقيقة أو بهتانا، لأن الثورة أحداث ووقائع لم يقم بها شخص واحد بل كافة المجتمع الجزائري، ومن المفروض من كل من شارك وعايش الأحداث تسجيل مذكراته عن الثورة وكل ما وقع له أو عايشه بدون زيادة أو نقصان ثم يأتي بعد ذلك دور المؤرخ لتصفية تلك المادة التاريخية.
ولا يخفى على أحد أن الثورة صنعها الانسان وليس الملائكة فيها من الأخطاء، ما لا يمكن لثورة إنسانية مثل ثورة الجزائر أن تخلو منه كونها ثورة كبيرة وذات بعد تحرري عالمي.

يجب عدم إغفال الإعلام العمومي عن النقد الذاتي

@أمام التحولات التي نشهدها أتعتقدين أنه مازال للإعلام العمومي دورا يمكن أن يؤديه؟  

@@رغم أن دور الإعلام العمومي يتسم بالإيجابية لكن أرى أنه يجب أن يكون  له هامشا من النقد الذاتي لأنه ضروري، على اعتبار أن القارئ يجد النقد اللامحدود في الإعلام الخاص وعندما يفتقد ذلك في الصحافة العمومية دون شك فإنه سيدير ظهره.
أتذكر أننا عندما كنا نكتب بعد الاستقلال في جريدة الشعب ثم في جريدتي الجماهير والثورة والعمل، رغم أننا كنا في عهد الحزب الواحد إلا أن هامش النقد الذاتي كان بناء ورائعا سواء  بالنسبة للإعلام التابع للمنظمات الجماهيرية أو للحزب، عبرنا عن النقد الذاتي للحزب ولكل ما كان يجري داخل القسمات، لذا يجب أن نقول عن الأسود أسودا ولا ننكر للبياض نصاعته.
والإعلام العمومي ليس لديه أي طابع تجاري ويركز أكثر على تحسين الاقتصاد وتكريس الحكامة وتوعية وتربية المواطن ويختلف عن الإعلام الخاص الذي يغلب عليه الطابع التجاري وأحيانا تكون موارد الإعلام الخاص مجهولة.

@أقصد هل يمكن أن يختفي الإعلام العمومي ويستغنى عن دوره في المشهد الإعلامي؟
 
@@لا يمكن أن يختفي الإعلام العمومي من المشهد الإعلامي، حتى في أكبر البلدان التي توزع الحرية على الدبابات مازالت تحافظ على الإعلام العمومي، ولأنه من حق السلطة الدفاع عن استراتجيتها ومرحلة حكمها في أي بلد بل إن الأمر ضروري .

@ وماذا عن الإعلام الموجه للأسرة والطفولة..أليس هناك إجحاف؟

@@قليل جدا، وأعتقد أن الإعلام الموجه للطفولة والأسرة يجب أن يتولى مهمته الإعلام المرئي والمسموع  بالنظر إلى سرعة إيصال المعلومة التربوية على غرار التلفزيون والإذاعة.
وعندما يكون الحديث عن راهن الإعلام لا ينبغي أن يكون بمعزل عن العواصف التي تهز الحياة، وينبغي التفكير في سلسلة من الاستفهامات من بينها  مدى تأثير العولمة على التربية والأسرة والشباب؟.. خاصة العولمة المتوحشة التي أسفرت عن ثقافة الاستهلاك وتأثيرات الإعلام على الطفولة بسبب تطور الوسائل التكنولوجية في المجتمعات الغربية وصار العديد من المفكرين في المجتمعات الرأسمالية ينتقدون النمط المعيشي الذي يروج له الإعلام والإشهار ويدعون إلى الميل أكثر إلى الطبيعة وضرورة تحكم الفرد بنفسه .

الإستفادة من نقائص تجربة الصحافة المكتوبة في الانفتاح على الإعلام الثقيل

@نعيش مرحلة مهمة من التحول الإعلامي في ظل السير نحو الانفتاح في مجال الإعلام الثقيل، كيف يمكن الاستفادة من نقائص تجربة الإعلام المكتوب الخاص في مجال السمعي البصري؟
 
@@دون شك التخوف والحماس والأمل الكل قائم في تجربتنا لذا يجب التقييم والمحافظة على كل ما هو إيجابي، وأخذ بعين الاعتبار أن بعض الصحف تجردت من أخلاقية الإعلام، لأنني أعتبر أن الأزمة ليست سياسية أو إقتصادية بل أخلاقية محضة.
ولنا فرصة الإستفادة من هذه التجربة وكذا من تجارب الغير الإعلامية في ظل توسع القنوات الإعلامية العربية التي تهتم بالربيع العربي الذي قلت أنه سيصبح شتاءً، وأدافع على أخلقة الإعلام في ظل هامش من الحرية .
وللإعلامي الجزائري جميع الوسائل والإمكانيات ليكون ناجحا ومتألقا، ويجب أن يكون غربالا دقيقا، ومحنكا سياسيا ولا ينفصل عن انتمائه لحضارة وأرض ووطن ويحافظ على جميع المكاسب التي افتكها الرجال بالعرق والدماء.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024