في كتابه “النّصوص الأساسية لثورة نوفمبر ١٩٥٤”

بوفلاقة يعرض قراءته في مواثيق للثورة الجزائرية

أجوبة عن تساؤلات حـول الخيار المسلّح

يمكن أن نصف هذا الكتاب، وهو على صغر حجمه، مصدرا من مواثيق  الثورة الجزائرية التي اندلعت في نوفمبر 1954 م، حيث يضم بين صفحاته النّصوص الأساسية التي شكّلت مسار هذه الثورة العظيمة، وحدّدت مسيرتها ونظّمت نهجها، وأبرزت خططها وأولوياتها،وأنارت دروب الشّعب الجزائري التوّاق للحرية والتخلص من ظلم الاستعمار الفرنسي.

إنّ الوثائق التي يحتويها الكتاب والتي تتّصل بثورة نوفمبر 1954م (نداء أول نوفمبر، مؤتمر الصومام، مؤتمر طرابلس) ذات أهمية خاصة تلقي الضّوء على مسيرة الثورة الجزائرية،فالكتاب يحوي المرجعيات الأساسية والنّصوص الرّئيسية لثورة نوفمبر المجيدة.
 نجد في بداية الإصدار رئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة في افتتاحيته: “إنّه لشرف عظيم أن أتولى إصدار الطبعة الجديدة لهذه النصوص الثلاثة الأساسية لثورتنا التحريرية المتمثلة في بيان أول نوفمبر1954 وأرضية الصومام (أوت 1956) وبرنامج طرابلس (جويلية 1962). إنّ الاعتزاز والفخر يغمران جوانحي وأنا أقوم بذلك، فأنا أنتمي إلى جيل الرجال والنّساء الذين لا تمثل هذه النصوص بالنسبة لهم مجرد وثائق تاريخية. ففي وقت معين من حياتنا، وغالباً ما كان ذلك في فترة شبابنا، استرشد ملايين الجزائريات والجزائريين بهذه النصوص في سعيهم المحفوف بالأخطار في سبيل الاستقلال الوطني”.
ويضيف رئيس الجمهورية: “لقد كتبت بدم وعرق ودموع آلاف المجاهدات والمجاهدين، الحاملين للسلاح أو العزل، الذين قرّروا مواجهة آلة القمع الاستعمارية الرهيبة، باذلين النّفس من أجل أن تحيا الجزائر في كنف الحرية المستعادة. فلا بد لي أن أتوجّه مرة أخرى بالتجلي والتحية لكل الشهداء الذين جاهدوا في سبيل الوطن حق جهاده وخاضوا حرباً تضرب بها الأمثال من أجل الاستقلال”.
وأشار صاحب الكتاب إلى أنّه من الخطأ الاعتقاد بأنّ تعطّشاً مفرطاً للعنف كان يحذو أولئك الذين كتبوا هذه النصوص بأحرف من دم، قائلا: “فالعنف الذي لجأ إليه منظّرو أول نوفمبر1954 ومنظّمو الحرب الطويلة الأمد في أوت 1956 والمنتصرون في جويلية 1962 لا يمت بأيّة صلة إلى انفجار فجائي لغرائز وحشية ولا كان ينبع من رغبة في العنف”.
وذكر رئيس الجمهورية أنّ هذا العنف كان في كل مرحلة من مراحل ثورتنا التحريرية الوطنية عنفاً واجباً، عنفاَ مضاداً ضرورياً جرى أعمال الفكر بشأنه وتنظيمه منهجياً، بهدف تدمير النظام الاستعماري، المسؤول الوحيد عما أدمى بلادنا منذ 1830 من القسوة والقهر اللاّإنساني.
وأكّد رئيس الجمهورية في إصداره لهذا الكتاب على أنّ اندلاع ثورة التحرير الوطنية ليس الفعل المعزول لبعض الشباب (الخارجين عن القانون)، المغامرين والمتعطّشين لمواجهة النّظام الاستعماري لتحرير مكبوتاتهم.
وقال: “إنّ أول نوفمبر1954 هو نتاج مسار نضج طويل لحركتنا الوطنية، التي انتظمت غداة الحرب العالمية الأولى حول شخصية الأمير خالد القيادية، وهو حفيد الأمير عبد القادر،وبلغت ذروتها مع نهاية الحرب العالمية الثانية، مع بيان الشعب الجزائري الذي شاركت في صياغته التيارات الثلاث الكبرى في حركتنا الوطنية، مجتمعة حول فرحات عباس،مصالي الحاج وخلفاء الشيخ عبد الحميد بن باديس”.
وأضاف الرئيس في هذا السياق، أنّ  الأغلبية السّاحقة من شعبنا اعتنقت تلك المبادرة، مثلما تشهد عليه الانطلاقة السريعة لجمعية أحباب البيان والحرية، قائلا: “لقد ولدت جزائر سياسية جديدة، كانت تطالب سلمياً وجماعياً وفي كنف الوحدة بإقامة جمهورية جزائرية في كنف الحوار والشراكة مع فرنسا، وستغرق الدولة الفرنسية في أنهار الدم التي خلّفها القمع الرهيب في ماي 1945 التّعبير الموحّد الأول هذا عن وطنية أصبحت متجذّرة بشكل لا رجعة فيه في ضمير الشّعب الجزائري”.      
وأشار رئيس الجمهورية إلى أنّ  تحويل فتات الحداثة الاستعمارية إلى مطية للتحديث الوطني العميق القادر على الانتصار على الدولة الفرنسية، وإجبارها على الاعتراف باستقلال بلادنا، ذلكم هو التحدي الذي نجح في رفعه قادة ومناضلو ومجاهدو جيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطني بتنظيم وحدة الشعب الجزائري على أساس مكافحة ومواجهة الدولة الاستعمارية الفرنسية سياسياً وعسكريا.
وختم رئيس الجمهورية إصداره للكتاب بالقول: “وإذ يطيب لي أن أنوّه في هذا المقام ببطولات وأمجاد مجاهدينا وشهدائنا، فإنّه لمن الأهمية بمكان أن أؤكّد على أنّ النّصوص التي كانوا يسترشدون بها لم تتضمّن في أي وقت من الأوقات إشادة بالعنف في حد ذاته، وأنّها أفردت على الدوام مكاناً للتفاوض وللتّعاون مع الدولة الفرنسية”.
وأبرز في هذا الإطار أهمية نداء أول نوفمبر 1954، قائلا: “إنّ الذي يقرأ هذه النّصوص أو يعيد قراءتها  سيجدّد العهد بالمصدر الجماعي الحي للشّعلة التي أضاءت جوانح مجاهدي حرب الاستقلال الداعية إلى التحرر والتحديث وتوحيد الصف. إنّ الشّعلة هذه لا تزال، وأنا متيقّن من ذلك، تضيء جوانح السّواد الأعظم من مواطناتنا ومواطنينا الذين يبقى بيان أول نوفمبر1954، بالنسبة لهم من بعض جوانبه البوصلة التي يهتدى بها في حاضرنا ومستقبلنا، والأساس لتعريف (الدولة الجزائرية ذات السيادة الديمقراطية والاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية) التي يطمح مسار المصالحة الوطنية إلى تعزيزها وإعادة نشرها”.

وثيقة مرجعية

الوثيقة الأولى التي نجدها في الكتاب هي نداء أول نوفمبر، الذي يعتبر أهم وثيقة إيديولوجية من ضمن وثائق الثورة التحريرية، ولاسيما من جانب الرؤية المستقبلية التي قدّمها لبناء دولة الاستقلال، وتعود أهميتها مقارنة بالوثيقتين التاليتين (الصومام وطرابلس)لجملة من الأسباب، من أبرزها الظرف الزمني الذي صيغت فيه، والوضعية السائدة في تلك المرحلة الصعبة، حيث كان الهمّ الوحيد لأصحابها اكتساب غالبية الشعب الجزائري ودفعه للانضمام   إلى الثورة، كما أنّ النّداء دعا إلى الكفاح المسلح، وحدّد أصحابه  الشروط والأهداف والوسائل. وعندما نعيد قراءة هذا البيان في أيامنا هذه ونتأمّل أبعاده بعمق، ندرك أنّ أصحابه لم يحيدوا أبداً عمّا حدّدوه حتى حقّقوا النّصر الكبير، وتمّ استرجاع الاستقلال الوطني في صيف 1962م، وقد اشتمل البيان على ثلاثة محاور رئيسية هي:
 1 ـ تقديم لمحة عن جملة العوامل والظروف والوضعية التي كانت سائدة، والتي دفعت أصحاب البيان إلى التوجه إلى الكفاح المسلح والثورة الشاملة.
2 ـ تقديم لمحة عن الصّراع مع الاستعمار وتحديد الشّروط التي يتوجب توفرها للقيام بأي تفاوض مع السلطات الاستعمارية.
3 ـ إبراز الأهداف المستقبلية للثورة وتحديد مبادئ وأسس وركائز الدولة الوطنية.
 أما وثيقة مؤتمر الصومام فمن المسلم به أنّها ركّزت بشكل كبير على تنظيم الثورة، لأنّ السّمات الأساسية لثورة نوفمبر المباركة هي التخطيط والتنظيم، ولا ريب في أنّ النّتائج التي نجمت على هذا المؤتمر كانت باهرة،وتعتبر خطوة عملاقة في مسيرة الثورة وتقدّمها إلى الأمام، ولم تقتصر على جوانب محددة بل إنّها اتّسعت لتشمل مختلف الميادين العسكرية،والسياسية والتنظيمية والإيديولوجية  والمستقبلية. كما حدّد هذا المؤتمر العلاقة بين قادة الداخل والخارج،ونظام جبهة التحرير وهياكلها.
في حين اتّسم برنامج طرابلس   بثرائه في تقديم رؤية مجملة عن الوضعية الجزائرية، وجاء في ظرف متميز بنهاية الحقبة الاستعمارية المظلمة، والانتقال لمرحلة البناء والتعمير فقدّم رؤى هامة عن بناء الاقتصاد الوطني، وتحديد مبادئ السياسة الاقتصادية، وتأميم الثروات المعدنية والطّاقة وغيرها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024