«الشعب» تستطلع الوضع في غرداية بعد شهر من أعمال العنف

الهـــدوء يعـــم كـــــافـــة الأحيــاء ودعــوات للتـلاميذ المتبقين للالتحاق بمدارسهم

تسابق غرداية ـ الواقعة على بعد ٦٠٠ كلم من العاصمة ـ  الزمن لاستعادة الهدوء بعد أعمال الشغب، الذي  شهدته عدة دوائر ـ بين الفرقاء ـ والتي دامت أكثر من ١٠ أيام، ما جعل سكان غرداية يخروجون جماعات، جماعات للشارع حاملين الرايات الوطنية والشعارات المنادية لنبذ الفرقة والطائفية والفتنة، والمؤكدة على «الجزائر أولا وقبل كل شيء».

بعد العنف الذي حصل بعدة مدن بغرداية تجولت «الشعب» لنقل مجرى استعادة المنطقة هدوئها، ناقلة حقائق هذه الولاية.. أحداث مؤسفة شهدتها ٥ دوائر بالولاية من أصل ٩ دوائر، لم تدم طويلا، حيث تهاطلت مختلف البيانات المنددة والمستنكرة لما حدث، كون أن التعايش بين المذهب المالكي والإباضي في مدينة غرداية، يعود إلى قرون مس سهل وادي ميزاب الذي تتوسطه ٤ بلديات وهي: العطف، بنورة وغرداية وضاية بن ضحوة. وقد طالت أغلب بلديات السهل أحداث العنف، بما أثار التساؤل والحيرة، ولا يختلف الجميع في اتهام عدة أطراف بمحاولة تعكير صفو الفرقاء، لأطراف سياسية وأهداف لا تمت بصلة للقيم الإنسانية التي يعيشها سكان المدينة.
وأثناء استطلاع «الشعب» توقفنا عند أشياء تغيرت. بمدينة بنورة المتاخمة لمدينة غرداية، لفت انتباهنا عشرات الزوار القادمين والمتجهين إلى عدة ولايات، كون أن الطريق الوطني رقم ٠١ يخترق وسط المدينة. وعلى طول الطريق رأينا الزوار وهم يركنون سياراتهم بمفترق الطرق آخذين صورا للمعالم والمناظر التي تشتهر بها المدينة، وهذا دليل واضح على عودة الاستقرار والهدوء لمدينة بنورة التي تضمّ عدة أحياء مشهورة كبن يزڤن الأثرية والتاريخية وسيدي اعباز الذي يضرب به المثل في مختلف أنواع التكافل.
وقد شهدت سابقا المدينة أحداث عنف إثر مناوشات بين حي مليكة التابع لمدينة غرداية وحي سيدي اعباز المتموقع بعد. واصلنا مسيرتنا لعين المكان وجدنا الرايات الوطنية معلقة في كل مكان حتى خزان الماء الذي كان أحد أسباب الفتنة بهذه المدينة، قام شباب  برسم العلم الوطني فيه. وفضلت عدة جمعيات رفقة مصالح البلدية تنظيم حملة نظافة واسعة، وما إن تمرّ بين شوارع الطريق الرئيسي لمدينة بنورة إلا وتجد المحلات مفتوحة بشكل عادي جدا، بل روائح المطاعم تستدعي كل زائر وتستهويه.
قال عمي محمد (٨٠ سنة) متقاعد، والساكن بهذا الحي منذ عقود لـ»الشعب»، أنه لم يكن يتخيل وقوع هذه الأحداث، غير أنه متأكد من أن هناك من يسعى لنبذ الفتنة بين أبناء غرداية ولهذا يوصي أحفاده بعدم القلق من هذا الوضع، لأنه لن يدوم.

عيون ساهرة على الأمن

وليس ببعيد عن مدينة بنورة وجدنا نفس الوضعية تعيشها مدينة العطف، والتي تشتهر بألفية سنة من حقبة الزمن، وما إن غربت الشمس وغلقت المحلات حتى رأينا في هذه المدينة العشرات من الشباب ممن يطلقون عليهم اسم «لجان اليقظة» أو «حراس الأحياء» من خليط بين الفرقاء، يشعلون النار ليستدفئوا مشكلين قوائم إسمية للمناوبة، خشية تعرض المدينة لأطراف كانت سابقا تحاول إثارة الفتنة فيها، كون أن المدينة تشتهر بتعايش غير مسبوق في الجزائر للمذهبين المالكي و الإباضي، عبر العصور، ويفيد مجموعة من الشباب من هؤلاء الفرقاء الذين احتسينا معهم كأس من الشاي، ساهرة على حماية مدينتها من أي شخص يحاول جر المدينة وإقحامها في متاهات. قال كمال ذو 25 ربيعا «عندما سمع بأن هناك مجموعة من الأشخاص تمتطي دراجات نارية تحاول إشعار نار الفتنة في مدينة العطف، قام رفقة أصدقائه الذين ينتمون للمذهبين الإباضي والمالكي بالصعود نحو الجبال رفقة عدد من عناصر الدرك الوطني للتحري في صدقية الخبر. وقال كمال أيضا، أن الشباب انتشر في أعالي الجبال بينما رجال الدرك انتشروا في وادي النيمل، وجهة واد نشو للبحث عن هذه المجموعة الملثمة التي قالوا أنها قادمة من مدينة القرارة، لكن عناصر الدرك الوطني كانوا في المستوى المطلوب لتمشيط المنطقة».

دعوة التلاميذ للعودة إلى مقاعد الدراسة

 تركنا القرارة متجهين إلى بن يزقن المعروفة بأصالتها وقصورها، حيث كانت شرارتها مع بداء المناوشات التي حدثت في ثانويتي مفدي زكريا وبن يزقن الجديدة الواقعتين على الحدود بين مدينتي غرداية وبنورة، والتي كانت ممنهجة من طرف هذه الفئة، غير أن القادم لهذه المناطق يرى الإنفتاح الذي كان عليه شارع أول نوفمبر سابقا وحركة المرور التي شلت المدينة. وهو ما يؤكد عودة المياه لمجاريها.
أثناء تجولنا عند مدخل ثانوية «مفدي زكريا»، قالت مجموعة من التلاميذ أنهم قاموا بمبادرة على صفحات التواصل الإجتماعي الخاصة بالثانوية يدعون أصدقائهم للعودة لمقاعد الدراسة ولا يهم الإضراب الذي تحدث عنه سكان الأحياء التي شهدت أحداث العنف من كلا الطرفين. كما قالوا أن الإضراب الذي شرع فيه الأساتذة والمنظم من طرف الإتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين لا يهمهم، حيث قاموا بفتح بعض الأقسام والدراسة فيها جماعة ومراجعة دروسهم خاصة المقبلين منهم على امتحان شهادة البكالوريا.
 ويفيد أحد القاطنين بالثنية من أصحاب المذهب الإباضي والذي يقطن في الحي منذ 43 سنة أنه يتعايش مع السكان وكأنه والد سكان الحي. نفس الحال في عدة مناطق كالعطف والقرارة وبنورة، وهو ما أكده عمي حمو ببنورة أنه يقوم بنقل سكان الأحياء المالكية إلى تونس منذ 30 سنة ويقطن معهم في نفس المنزل، كل هذه الإشارات تدل على التعايش الكبير بين المذهبين الإباضي والمالكي. ركبنا سيارة طاكسي متجهين نحو حي قدماء المجاهدين وهو حي قديم متنوع ومتعدد العروش، والذي يعتبر بوابة ومدخلا آخر لسوق غرداية القديم، حيث لاحظنا أن هناك بعض المحلات التقليدية لبيع الزرابي والبرانيس، يؤكد عدد من الشيوخ من المالكية والإباضية. أن الزربية التي يعلقها أحد البائعين من المالكية هي لجاره من الإباضية وقد منحه إياها منذ 25 سنة، حيث يحتفظ بها كهدية يعلقها في محله عربونا على التعايش المستمر بين الساكنين. وقد شهد شارع الخضر المطل على ساحة سوق غرداية، إكتظاظا  كبيرا للمشترين في دلالة واضحة على العودة الفعلية للحياة بالمدينة، كما تستعد عدة فرق فلكلورية لتنشيط ساحة السوق في دلالة أخرى لإعادة المدينة إلى سنوات التسعينيات حينما كانت تنظم فيها مهرجانات كبيرة.
 وإن كان حال مدينة غرداية على ما هو عليه فالكثير من السياح يجدون لذة في المنطقة، كونها تحتوي على إرث تاريخي متنوع. ويرى اتحاد التجار والحرفيين أن المشكل في مدينة غرداية ليس في وجود مذهبين مالكي وإباضي لكن أن المشكل في بعض الفئات التي تقوم بترويج المخدرات، لكن يراها عدد آخر من الأساتذة الجامعيين بجامعة غرداية حتى وإن كانت إنطلاقة هذه الأحداث بسبب وجود بعض مروجي المخدرات، إلا أنها لا تتطور بهذه السرعة مشيرين إلى أن هناك مجموعة من العناصر لها أيادي ممدودة من جهات قد تكون معلومة تحاول تضخيم النعرات الطائفية لأغراض سياسية.
 وكانت عدة مبادرات قد انطلقت وأخرى ستنطلق لتوحيد صفوف سكان مدينة غرداية، يرى البعض أن هؤلاء يمثلون ظهر الجزائر، فلم يكن لفئة من الشباب الجامعي والبالغ عددهم 20 شابا قدموا من مختلف الولايات وأعمارهم لا تتجاوز 32 سنة، أين خيموا بمدينة زلفانة مسطرين برنامجهم الرامي لوضع وحدة الجزائر أولا وقبل كل شيء. كما زار عدد من الجمعيات الوطنية ناشطين جمعويين بغرداية لوضع بعض النقاط المستقبلية التي ستكون مشتركة مع عدة أطراف من حيث التواصل الجمعوي الميداني. وكانت الكثير من المبادرات قد سطرتها عدة منظمات وجمعيات وشخصيات من إعلاميين ومثقفين وفنانين وشباب ستتجه نحو مدينة غرداية خلال الأيام القادمة متضمنة عدة مبادرات ولقاءات ومهرجانات.

عدة مشاورات لإطفاء نار الفتنة نهائيا وتعويض المتضررين

وتطبيقا لتوجيهات رئيس الجمهورية، وتعليمات الوزير الأول، سطر والي ولاية غرداية محمود جامع، لقاءات واجتماعات لتدارك الوضع وتشخيص المشكل مع محاولة إعطاء آليات واستراتيجيات على المستوى المركزي لغلق هذه الفتنة نهائيا، حيث عقد الوالي اجتماعات حثيثة مع لجان الأحياء لإيجاد الحلول وتخطي الفتنة، حيث ثمن لقاءات المجتمع المدني التي نظمت على المستوى  المحلي وكذا مع أجهزة الأمن، مثمنا في نفس الوقت مجهودات الأعيان ورجال الدرك وعناصر الأمن. وفيما يخص المتضررين فقد تم تشكيل لجنة مختصة من أجل تعويضهم تنطلق مهمتها الأسبوع القادم، وعن التكفل بالأسر التي فقدت ممتلكاتها وتجهيزات منازلها فقد أكد والي ولاية غرداية أن هناك عملية من المساعدات في مختلف التجهيزات والأدوات ستقدم لهذه الفئة، مؤكدا أن الدولة بالمرصاد لكل من تسول له نفسه ضرب استقرار المنطقة، وقد دعا الوالي في ختام لقاءاته كل من جمعيات أولياء التلاميذ واتحاد التجار والحرفيين إلى العمل بشكل عادي خاصة بعد أن عاد الهدوء والاستقرار للمنطقة، مقرا أن هناك فئة تريد زعزعة الأوضاع لكن الدولة بالمرصاد لهذه الفئة.

وقفة تضامنية مع المعتقلين ورجال الأمن الموقوفين

نضم شباب عدة أحياء بمدينة غرداية، كحي الشعبة وحي الثنية وحي الحاج مسعود وحي مرماد بالإضافة لحيي المجاهدين وبن اسمارة، وقفة تضامنية مع المئات من المواطنين أمام مقر ولاية غرداية بحضور عائلات المعتقلين خلال الأحداث، حيث شهدت الوقفة تعزيزات أمنية مشددة، مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين خلال الأحداث والذي قالوا أنهم لم يقوموا بأي شيء سوى دفاعا عن أنفسهم، كما طالبوا السلطات العليا في البلاد بتوفير الأمن داخل جميع مناطق الولاية دون استثناء، علما أن العديد من المناطق والأحياء لا توجد بها مراكز أمنية، كما دعا المحتجون بإعادة إدماج رجال الأمن الذين تم توقيفهم، حيث قال المئات من الشباب أنهم كانوا يدافعون عن الأبرياء والممتلكات، وهو ما يستحق من السلطات العليا تكريمهم، مناشدين اللواء عبد الغني الهامل باتخاذ قرار سيادي يعيد هؤلاء لمناصبهم، من جهة أخرى طالب المحتجون من العدالة توقيف المتسببين في الفتنة والمعرفون لدى العام والخاص بتهمة التحريض وإشعال نار الفتنة، وخلال لقاء ممثلين لهم بالسلطات المحلية داخل مقر الولاية، أكدت السلطات أنها تتفهم أوضاع المحتجين وستقوم باتخاذ إجراءات لازمة وإيجابية قريبا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024