من الاعتراف الرسمي إلى التمكين العملي

الفنان..شريك في ديناميكية التنمية

أسامة إفراح

يشكّل التزام الدولة الجزائرية بدعم الفنانين وتتويج جهودهم بإصلاحات ملموسة، محورا رئيسيا في السياسة الثقافية الجديدة، بدءًا من إصدار القانون الأساسي للفنان، ومرورًا بضمان حقوقه المهنية والتكفّل الاجتماعي به، ووصولًا إلى تحفيز الاستثمار في الصناعات الثقافية في مختلف أشكال الإبداع. ويعكس هذا التوجه الرسمي إرادة واضحة لبناء قطاع ثقافي ديناميكي، منتج ومهيكل، يثمّن دور الفنان ويعزز مكانته في المجتمع.

خلال إشرافه على افتتاح الجلسات الوطنية للسينما، شهر جانفي الماضي، خاطب رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، المشاركين قائلا: “الإبداع حر ولكم الحرية المطلقة في إبداعاتكم الفنية إلا ما يستهدف الجزائر”. بهذه الكلمات، ضمن الرئيس حرية الإبداع، في تجسيد آخر لالتزام الدولة بتشجيع الفن والفنانين.
قانون الفنان..أول الغيث
وإذا ذكرنا رئيس الجمهورية، فلا بد أن نذكّر بحرصه على حماية حقوق الفنانين..ولطالما كان التشريع لقانون يحمي حقوق الفنان مطلبا ملحا نادى به الفنانون الجزائريون، وهو ما تحقق بصدور المرسوم الرئاسي رقم 23- 376، المؤرخ في 7 ربيع الثاني عام 1445 الموافق 22 أكتوبر سنة 2023، والمتضمن القانون الأساسي للفنان، ليكون من أهم الإنجازات الثقافية في الجزائر.
يهدف هذا القانون إلى تحديد حقوق وواجبات الفنان، ويشمل: الحصول على بطاقة الفنان، توقيع عقد فني، التمتع بالحماية الاجتماعية والتقاعد، الاستفادة من التأمين التكميلي ضد المخاطر الاستثنائية، الحق في تأسيس أو الانخراط في هيئات تمثيلية مهنية، والاعتراف بحقوقه الفكرية والمادية، إلى جانب المساهمة في إعداد السياسات العامة في الميادين الثقافية والفنية، وكذا الاستفادة من تكوين فني أو تقني من أجل ترقية الفن والثقافة.
ومما جاء فيه أيضا مدونة المهن الفنية، وقبل عام بالتحديد، أعلنت وزارة الثقافة والفنون عن وجود 222 تخصصا فنيا موزعا على 9 فصول، منها فصلان مستحدثان هما “فن الشارع” و«الفنون الرقمية”.
وفي مثال عن تطبيقات هذا القانون، شهد الاحتفال باليوم الوطني للفنان في جوان من العام الماضي، مراسم التوقيع على اتفاقية إطار بين وزارة الثقافة والفنون والتعاضدية المستقلة لموظفي الجزائر، بهدف ضمان تكفل اجتماعي ومهني أفضل للفنان.
وتعد هذه الاتفاقية الإطار ثمرة تنفيذ النصوص التطبيقية للقوانين الخاصة بالفنان، وتسمح لمهنيي الفنون بالاستفادة من مزيد من المزايا الاجتماعية، التي تضاف إلى تلك التي كرسها القانون الأساسي للفنان.
كما تم الإعلان عن إمكانية إنشاء تعاونيات فنية كفيلة بتوفير إطار قانوني منظم لمهنيي الفنون بغية توطين وتحقيق مشاريعهم، مثل منصة “فن” التي تخص طلب إنجاز وتجديد بطاقة الفنان، بحيث تضمن لحاملها متابعة ملفه الإداري ومسيرته الفنية على الإنترنت.
التزام ثابت
عديدة هي الأمثلة على الالتزام الرسمي بدعم الفنانين وتشجيعهم. مثلا، في نوفمبر 2024، على هامش افتتاحه للطبعة الثامنة للمهرجان الدولي للفن المعاصر، دعا وزير الثقافة والفنون زهير بللو، جميع الفنانين، سواء المقيمين في الجزائر أو في الخارج، إلى المساهمة في تحقيق نهضة ثقافية وفنية، من خلال إنشاء سوق للفن تضمن مناخًا مواتيًا لاستحداث الثروة. وأكد على ضرورة أن تتجاوز التظاهرات الثقافية مجرد عروض بسيطة إلى مشاريع حقيقية تحمل ديناميكية ثقافية وفنية.
كما أشاد بالفنانين الجزائريين الذين وضعوا فنهم في خدمة السلام والدفاع عن الثقافة الجزائرية الأصيلة، وأعلن حينذاك عن “إصدار قانون خاص بالتعاونيات الفنية قريبا، والذي سيسمح للفنانين بإنشاء مؤسساتهم الثقافية والفنية والاجتماعية”.
وخلال لقائه بمديري الثقافة والفنون الولائيين، دعاهم بللو إلى الانخراط في تحقيق ورقة طريق عملياتية تندرج في إطار عمل الحكومة وتوجيهات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، شعارها “الثقافة حق لجميع الجزائريين بدون إقصاء”، وذلك “في كل مجالات الثقافة كالكتاب والسينما والمسرح والتراث والموسيقى والفنون البصرية وغيرها، وهذا من أجل “بعث نهضة ثقافية حقيقية مبنية على النجاعة والفعالية والتشاركية والديمومة”.
ولتحقيق درجة أعلى للتسيير، أكد الوزير أنه “يجب الانخراط في آلية عمل تصاعدية تؤمن بأن الثقافة هي قطاع استراتيجي وتنخرط في منظومة التواصل الإيجابي والفعال والمنتج أفقيا وعموديا، ولا تلغي أي فئة أو متعامل ثقافي ولا تتوانى في السعي من أجل نشر الثقافة”.
وفي فيفري الماضي، قدم وزير الثقافة والفنون عرضا أمام لجنة الثقافة والاتصال والسياحة بالمجلس الشعبي الوطني، وأوضح أن رهان الدولة على الثقافة تبنّى، خلال السنوات الأخيرة، مقاربة جديدة تهدف إلى تحويل القطاع إلى محرك اقتصادي منتج وفعال.
وفي مجال المسرح، شدد بللو على ضرورة تفعيل المسارح اقتصاديا، مشيرا إلى تقديم 249 إعانة مالية لفائدة الجمعيات والتعاونيات المسرحية والفنانين. كما أعلن عن افتتاح 19 مدرسة للتعليم الموسيقي بدور وقصور الثقافة خلال السنة الجارية، مع العمل على تعميم التجربة عبر مختلف ولايات الوطن. وأوضح أن الوزارة تعمل أيضا على مراجعة منظومة المهرجانات وتحيينها لتتماشى مع المقاربة الاقتصادية للثقافة.
أما في حديثه عن قطاع السينما، فقد أشار الوزير إلى توصيات الجلسات الوطنية للسينما التي تشمل إنشاء المجلس الأعلى للسينما، والمركز الوطني للأرشيف السينمائي، فضلا عن تقديم دعم مالي لمشاريع سينمائية ذات جودة عالية. كما أكد على أهمية توفير بنية تحتية حديثة، تشمل إنشاء مدن سينمائية واستوديوهات تصوير، بما يتماشى مع التوجه الرقمي الجديد.
السينما..ومجالات أخرى
وبالحديث عن السينما، وجب التذكير بطمأنة رئيس الجمهورية أهل القطاع، خلال الجلسات الوطنية للسينما، بأن الدولة ستتكفل بتمويل مشاريعهم، كما أكد لمن يريد الاستثمار في هذا المجال، أن “الدولة تضمن له توفير العقار والتمويل” بهدف “خلق مناخ ثقافي يسمح بمزيد من الرقي والتقدم لبلادنا”.
ومن الإجراءات المتخذة في هذا الصدد، اعتماد تدابير جبائية لدعم الفن السابع. فبعد صدور القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية عام 2024 (وهو القانون الذي يهدف إلى تحديد الأحكام المطبقة على الصناعة السينماتوغرافية، ولاسيما منها تلك المتعلقة بإنتاج وتوزيع واستغلال الأفلام السينمائية والترويج لها عبر مختلف الدعائم، وكذا تنظيم النشاطات المتصلة بها) خصص قانون المالية لسنة 2025 تدابير جبائية لدعم الصناعة السينماتوغرافية، منها: فرض رسم على رقم الأعمال في النشاط الإشهاري بنسبة 2%، يُخصص 25% منه لصالح “الصندوق الوطني لتطوير الصناعة السينماتوغرافية وتقنياتها” (نشير إلى أن 25% من هذا الرسم مخصصة لدعم “صندوق دعم الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية وأنشطة تكوين الصحفيين ومهنيي الصحافة”)، وفرض رسوم على رخص التأشيرات المتعلقة بالصناعة السينماتوغرافية، مثل رخص التصوير والاستغلال وتوزيع الأفلام، بقيمة 20 ألف دج لكل رخصة. وتهدف هذه التدابير إلى تعزيز الإنتاج السينمائي الوطني وتوفير موارد مالية لدعم المشاريع السينمائية وترقيتها.
وهكذا، وإلى جانب إحياء السينما، تتضمن استراتيجية الدولة دعم الفنانين عبر التشريعات والسياسات، وحماية التراث الثقافي وتصنيفه، ورقمنة القطاع الثقافي، واعتماد التحول الرقمي لتحقيق دمقرطة الثقافة، ولعل آخر مثال على ذلك إطلاق الديوان الوطني لحقوق المؤلف “أوندا”، هذا الأسبوع عبر منصته، خدمة رقمية جديدة خاصة، هدفها تسهيل حصول المبدعين وحاملي المشاريع على دعم الديوان.
وتؤكد هذه المكتسبات على التزام الدولة الجزائرية بتطوير القطاع الثقافي وتعزيز مكانة الفنانين، سعيا إلى بناء بيئة ثقافية مزدهرة تدعم الإبداع وتضمن حقوق الفنانين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19791

العدد 19791

الخميس 05 جوان 2025
العدد 19790

العدد 19790

الأربعاء 04 جوان 2025
العدد 19789

العدد 19789

الثلاثاء 03 جوان 2025
العدد 19788

العدد 19788

الإثنين 02 جوان 2025