الرحلـة إلى الأوسكـار تبــدأ مـن لجنــة انتقـاء الأعمــال..
أعلنت اللجنة الجزائرية لانتقاء الأعمال المشاركة في جائزة الأوسكار والمكلفة من طرف «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» عن دعوة لترشيح أعمال سينمائية من أجل انتقاء الفيلم الروائي الطويل الذي سيمثل الجزائر في الطبعة 98 لجوائز الأوسكار في فئة «أفضل فيلم روائي دولي»، حسب ما أفاد به بيان للجنة. وجاء في البيان أن عملية ترشيح الأفلام واختيار واحد منها لتمثيل الجزائر في جوائز الأوسكار المقبلة بالولايات المتحدة الأمريكية، هي برعاية من وزارة الثقافة والفنون وبالشراكة مع المركز الجزائري لتطوير السينما، حيث يترأس هذه اللجنة المخرج بلقاسم حجاج.
تأسست اللجنة الجزائرية لاختيار الأفلام للأوسكار لتمثل طموح الجزائر في تعزيز مكانتها على الساحة السينمائية العالمية. تهدف هذه اللجنة إلى مهمة نبيلة وحاسمة: اختيار الفيلم الذي سيمثل الجزائر في مسابقة جائزة أفضل فيلم دولي، وهي إحدى أرقى الجوائز التي تمنحها الأكاديمية الأمريكية لفنون السينما وعلومها.
تتكون اللجنة من نخبة من المحترفين في مجال السينما، وفنانين بارزين، وعشاق الصورة، الذين توحدهم رؤية مشتركة. ترى اللجنة في عملها رسالة فنية وثقافية عميقة، إذ تسعى لتشجيع الإبداع والابتكار داخل الصناعة السينمائية الوطنية، وتسليط الضوء على القصص والمواهب التي تنبثق من ثراء الموروث الثقافي، فاللجنة الجزائرية، تتكوّن من نخبة فنانين مرموقين، إذا يترأسها المخرج والمنتج والممثل الكبير بلقاسم حجاج، ويرافقه لطفي بوشوشي، مونية مدور، كريم موساوي، رشيد بن حاج ونادية قاسي، وكلهم من رواد الفن الذين كانت لهم أدوار بارزة في الصرح السينمائي الوطني.
وفي كل دورة، تقوم اللجنة بدراسة دقيقة ومحايدة للأعمال السينمائية الجزائرية، سواء أُنتجت داخل الوطن أو خارجه، مع مراعاة معايير فنية عالية.
إضافة إلى شروط الأكاديمية الأمريكية، تعتمد اللجنة الجزائرية على مجموعة من المعايير الدقيقة التي تضمن اختيار العمل الأفضل لتمثيل البلاد. أبرزها معايير صارمة، بداية من الجودة الفنية، وتتضمن تقييم الإبداع، والإخراج الفني، والتميز التقني، ثم معيار الأثر الاجتماعي، ويتمثل في قدرة الفيلم على طرح قضايا اجتماعية هامة وإثارة النقاش حولها، إضافة إلى معيار البعد العالمي، ما يفرض تقديم عمل يتجاوز الحدود الثقافية، ويستطيع التأثير على مشاهد من أي مكان في العالم.
تؤكد اللجنة التزامها بتكريم صانعي السينما الجزائريين وإبراز إنجازاتهم، مع إلهام الجيل الجديد لمواصلة مسيرة الإبداع في عالم الفن السابع. بالنسبة لأعضاء اللجنة، السينما ليست مجرد ترفيه، بل هي وسيلة قوية للتعبير والتواصل، ومنصة لنقل قصص الجزائر إلى آفاق أبعد، حيث يمكن لصوت المبدعين الجزائريين أن يجد صداه في كل القارات.
بهذا العمل، تسعى اللجنة إلى أن تصبح جسرًا بين الإبداع المحلي والمجد العالمي، مؤمنة بأن السينما الجزائرية قادرة على أن تحجز لنفسها مكانًا دائمًا في خارطة الفن العالمي.
دليل المخرجين نحو العالمية
بدورها، تضع أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (AMPAS) التي تمنح جوائز الأوسكار المرموقة، معايير دقيقة وواضحة لاختيار أفضل فيلم دولي. وهي شروط لا تقتصر على الجودة الفنية فحسب، بل تشمل أيضًا جوانب تقنية وقانونية يجب على صانعي الأفلام الالتزام بها لضمان أهلية أعمالهم للمنافسة العالمية.
شـروط الأهليـة
تعرف الأكاديمية «الفيلم الدولي» بأنه عمل روائي طويل (أكثر من 40 دقيقة) يتم إنتاجه خارج الولايات المتحدة، ويكون أكثر من 50 بالمائة من حواره بلغة غير الإنجليزية..هذا التعريف لا يقتصر على الأفلام الروائية التقليدية، بل يشمل أيضًا الأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة.
أما مدة العرض وتاريخ الإصدار، فيجب أن يكون العرض الأول للفيلم قد تم في دولة الإنتاج أو في دولة أخرى خارج الولايات المتحدة، ضمن فترة زمنية محددة. على سبيل المثال، لدورة الأوسكار 98، تمتد فترة الأهلية من 1 أكتوبر 2024 إلى 30 سبتمبر 2025. ويجب أن يُعرض الفيلم علنًا في دور سينما تجارية لمدة لا تقل عن سبعة أيام متتالية.
أما فيما يخص اللغة والترجمة، فالشرط الأساسي هو أن تكون اللغة الأصلية للفيلم في الغالب غير الإنجليزية. وإذا تضمن الفيلم حوارًا باللغة الإنجليزية، يجب توفير ترجمة دقيقة ومقروءة بالإنجليزية لجميع الحوارات الأخرى.
وتشدّد الأكاديمية في المواصفات التقنية، فهي تضع جودة العرض السينمائي في مقدمة المعايير، ويجب على المترشح أن يُقدم الفيلم بصيغة (DCP (Digital Cinema Package وبدقة لا تقل عن 20481080 x بكسل. كما يجب أن يتوافق الصوت مع معايير توزيع الصوت الرقمي، ويفضل أن يكون بتكوين 5.1 أو 7.1 قنوات صوتية.
الجســر نــــحو الأوسكـار
ولا يمكن للمخرجين تقديم أفلامهم مباشرة إلى الأكاديمية. بدلاً من ذلك، تعتمد الأكاديمية على لجنة انتقاء وطنية واحدة في كل دولة مشاركة، وفي الجزائر، تتألف هذه اللجنة من نخبة من المحترفين والفنانين. الذيت يتكفلون بمهمة اختيار فيلم واحد فقط لتمثيل البلاد، بعد تقييم فني شامل، ويجب أن يكون نصف أعضاء اللجنة على الأقل من فنانين أو تقنيي صناعة السينما، ويتم اعتماد تشكيلتها رسميًا من قبل الأكاديمية.
شروط لا ينبغي نسيانها
من أهم الشروط التي تُقصي العديد من الأفلام، هي عدم العرض المسبق غير السينمائي. إذ يُحظر تمامًا عرض الفيلم على أي وسيلة أخرى قبل انتهاء عرضه المؤهل في السينما، سواء كان ذلك عبر التلفزيون، الإنترنت (بما في ذلك خدمات VOD)، أو أقراص DVD. وكل مخالفة لهذا الشرط تؤدي – تلقائيا - إلى استبعاد الفيلم من مضامير السباق.
ويتحمل المخرجون والمنتجون مسؤولية قانونية عن صحة ودقة جميع المعلومات المقدمة في طلب الترشيح، ويقصد بها أي معلومات مضللة أو غير صحيحة يمكن أن تؤدي إلى إلغاء الترشيح، ما يعني وجوب إرسال جميع المواد المطلوبة، بما في ذلك نسخة رقمية من الفيلم وإثبات عرضه السينمائي، عبر المنصة الرقمية المخصصة قبل الموعد النهائي المعلن، والذي هو 1 أكتوبر 2025 لدورة الأوسكار 98.
بهذه المعايير والمسؤوليات، تسعى الأكاديمية لضمان أن الأفلام المرشحة تمثل أعلى مستويات الجودة الفنية والتقنية. ومن خلال الالتزام بهذه القواعد، لا يتم فتح نافذة للسينما على العالم فحسب، بل تضعها على قدم المساواة مع أرقى الإنتاجات السينمائية الدولية.
الأوســكار الجزائــري
في سبق عربي، ارتقى اسم الجزائر إلى منصات المجد السينمائي العالمي، حين انتزع فيلم «زد» جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي وأفضل مونتاج عام 1970، ليظل عنوانا لصرح الرقي السينمائي، ففي حفل خرافي أدار فقراته الممثل الأمريكي كلينت إيستوود والممثلة الإيطالية كلوديا كاردينال، أعلن عن فوز الجزائر بالجائزة العالمية، وتسلمها المنتج أحمد راشدي، ممثلا عن مؤسسة صناعة السينما الجزائرية التي تولت إنتاج الفيلم الذي صوّرت جميع أطواره بالجزائر العاصمة.
ويذكر الأستاذ بوداود عميّر أن فيلم (Z) الذي يُعد من كلاسيكيات السينما السياسية العالمية، ضم نخبة من نجوم التمثيل الفرنسي مثل جان لويس ترانتينيون وإيف مونتان، والممثلة اليونانية إيرين باباس، إلى جانب أسماء جزائرية بارزة من أمثال حسن الحسني وسيد أحمد أقومي وعلال المحب، وقال عميّر إن المخرج كوستا غافراس ذكر في مذكراته «اذهب، حيث من المستحيل أن تذهب»، أن تجربة (Z) كانت ثمرة جرأة سياسية وثقافية، إذ رحّب وزير الثقافة والإعلام آنذاك محمد الصديق بن يحيى بالفكرة، ووفّر للفريق التسهيلات التقنية واللوجستية رغم شحّ الموارد المالية، بينما لم يتردد الرئيس بومدين في منح الضوء الأخضر للفيلم رغم حساسية موضوعه.
ويسجل بوداود عميّر أن التوهج الذي عرفته السينما الجزائرية، لم يكن ممكنًا لولا دور الديوان الوطني للتجارة والصناعة السينماتوغرافي (ONCIC) الذي تأسس عام 1967 ولعب دورًا محوريًا في إنتاج أهم الأعمال الجزائرية والعالمية المشتركة، قبل حله عام 1984، ففي تلك الحقبة، بلغ الحضور الجزائري ذروته بفوز فيلم «وقائع سنين الجمر» لمحمد الأخضر حامينة بالسعفة الذهبية في كان 1975، ومشاركة مخرجين جزائريين في إنتاج أفلام عالمية وإنجاز أفلام وثائقية نوعية مثل «أغنية الوداع» لأحمد راشدي عن عبد الحليم حافظ.
انتصارات مقبلة
اليوم، تعيش السينما الجزائرية مرحلة مفصلية من تاريخها، وهي تتأهب لاستعادة الريادة بعد أن وضعت السلطات العمومية، بتوجيهات من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أسس نهضة جديدة للفن السابع، قائمة على تشجيع الاستثمار، ودعم التكوين، وتوفير الإطار القانوني الذي يحمي المبدعين ويحفّز على الإنتاج، فقد كان عام 2024 بمثابة نقطة تحول، مع صدور القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية، وافتتاح أول معهد وطني عالٍ للسينما يحمل اسم المخرج العالمي محمد لخضر حمينة.
القانون الجديد الذي جاء ثمرة رؤية استراتيجية، يهدف إلى خلق ديناميكية اقتصادية حقيقية في قطاع السينما، عبر ترقية الاستثمار وتسهيل إنشاء المشاريع الخاصة، مع وضع سياسة وطنية واضحة المعالم، تعدها وزارة الثقافة بالتنسيق مع مختلف القطاعات، لضمان التطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لهذه الصناعة، وتكييفها مع المستجدات التكنولوجية. كما يولي أهمية خاصة لترقية الذوق الفني والثقافة السينمائية لدى المواطن، في إطار القيم الوطنية المنفتحة على العالم، مع الحفاظ على الهوية وتعزيز اللحمة الوطنية، وتثمين الذاكرة التاريخية ومآثر الثورة، والترويج للوجهة السياحية للجزائر.
ويؤكد النص القانوني على حرية ممارسة أنشطة الإنتاج والتصوير والتوزيع والاستغلال السينمائي، ضمن احترام الدستور وقوانين الجمهورية، والثوابت الوطنية، والمرجعية الدينية، والسيادة ووحدة التراب، والمصالح العليا للأمة. كما يضع ضوابط خاصة للأعمال التي تتناول أحداث المقاومة والحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، حيث تشترط رخصة مسبقة من وزارة المجاهدين، إلى جانب أخذ رأي استشاري في المواضيع الدينية والسياسية ورموز الدولة.
القانون فصل أيضًا في الجوانب العملية للإنتاج والتوزيع والاستغلال، وأقر إنشاء لجنة وطنية لمشاهدة الأفلام تمنح تأشيرة الاستغلال السينمائي، في خطوة نحو تنظيم السوق وضمان الجودة.
وعلى صعيد الدعم، تعهّدت الدولة بترقية الشراكة والاستثمار في الصناعة السينماتوغرافية، وتقديم مزايا وتحفيزات للمستثمرين وفق القوانين السارية.
أما على مستوى التكوين، فقد شكّل افتتاح المعهد الوطني العالي للسينما بالقليعة حدثًا غير مسبوق، إذ استقبل أول دفعة من خريجي ثانوية «علي معاشي» للفنون، مانحًا لهم تكوينًا أكاديميًا في نظام «ليسانس - ماستر - دكتوراه» مع جذع مشترك في السنة الأولى، قبل التوجيه إلى تخصصات الصناعة السينماتوغرافية. ويُنتظر أن يكون هذا الصرح، التابع لوزارة الثقافة، خزّانًا للكفاءات المؤهلة القادرة على رفع مستوى الإنتاج الجزائري، تقنيًا وفنيًا.
وتعززت هذه الخطوات بقرار إعادة فتح صندوق دعم السينما والآداب والفنون ضمن قانون المالية 2025، استجابة لمطلب طالما رفعه الفنانون، لتعود هذه الآلية التمويلية إلى لعب دورها في دعم المشاريع الطموحة. كما تم إدراج قطاع السينما ضمن أولويات الاستثمار الوطني، في أعقاب لقاء وطني نظمته وزارة الثقافة بالشراكة مع الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ما يعني أن الصناعة السينمائية باتت تحظى باعتراف رسمي كقطاع اقتصادي واعد.
وفي خطوة ذات رمزية عالية، أمر رئيس الجمهورية بإطلاق مناقصة دولية لإنتاج وإخراج فيلم ضخم حول شخصية الأمير عبد القادر، بهدف إعطاء العمل بعدًا عالميًا يليق بمكانة الأمير في التاريخ الإنساني. وقد شدّد على إشراك الكفاءات الجزائرية والعالمية، وفق دفتر شروط يحافظ على المضمون المتفق عليه.
بهذه الإصلاحات والمبادرات، تبدو آفاق السينما الجزائرية مفتوحة على مرحلة جديدة من التألق، حيث يلتقي الدعم السياسي بالرؤية القانونية، ويواكبه التكوين الأكاديمي والفرص الاستثمارية، لتستعيد الجزائر موقعها الطبيعي على خارطة السينما العالمية، وتكتب فصلًا جديدًا في حكايتها مع الفن السابع.