تزخر عاصمة الأهقار تمنغست، بتنوع وزخم تراثي وثقافي وشعبي متعدد، نابع من عمقها الحضاري وعاكس لأصالة المنطقة المتجذرة الضاربة على مدى عصور طويلة، أبدع وتفنن في التأسيس لها مجتمع الإيموهاغ، لترافقه على مدى تاريخ تواجده بالمنطقة، ليتوارثها جيل بعد جيل إلى غاية يومنا هذا.
تراث مادي ولامادي، ذاك الذي تحتضنه تمنغست، أحدهم اشتهر وبرز، على غرار “إمزاد” ليبقى العديد منه يعاني الإهمال والنسيان، وفي انتظار التفاتة الجهات الوصية ومحاولة الوقوف على واقعه. “الشعب” من خلال هذه الأسطر تحاول أن تبرز وتسلط الضوء على ما تكتنزه المنطقة من موروث ثقافي شعبي زاخر.
تحتضن تمنغست بين أحضانها مجموعة من الإيقاعات والرقصات والأغاني التي رافقت حياة وبيئة المجتمع المحلي لمنطقة تشتهر بتراثها وموروثها الثقافي الشعبي.
تيندي.. وحركــات الجمــال
تتميز “تيندي” عن مختلف الطبوع الموسيقية الأخرى، بإيقاعها المستوحى من حركات الجمال ومشيتها، مما أهّلها لتكون مرجعية للموسيقى المحلية في إيقاعها سواء فن أو تأسيسا، حسب مولود فرتوني شاعر وكاتب بعاصمة الأهقار.
«تيندي” بلغة التماهق، أو المهراس (هاون) باللغة العربية، أداة تحولت لآلة موسيقية إيقاعية، ونوع موسيقي أساسي بتمنغست، من أشهر فناناتها “لالة بادي” ـ يقول عبد الوهاب بوغردة ـ كاتب وباحث في الثقافات الشعبية في حديثه لـ«الشعب”.
تزامـــارت.. نغمــات تحاكــي رقصـة “الغــزال”
هي آلة موسيقية تقليدية مصنوعة من مادة القصب المجوف من أشجار خاصة، يعرف بـ«ناي إيموهاغ” له أربع ثقوب نسبة لأرجل الماشية، حسب نفس المتحدث. تصنف من الآلات النفخية الخشبية، عرفت منذ القدم لدى مجتمع الإيموهاغ، لترافقه في مختلف مراحل تواجده، على غرار “الإمزاد” و«تيندي”، قيل عن نغماتها بأنها تحاكي رقصة حيوان “الغزال” أثناء ركضه.
”تهيجالت”.. رقصة الشكر والعرفان
تعرفها أفرواق فاطمة مستشار ثقافي رئيسي بدار الثقافة “داسين تمنغست”، في حديثها لـ«الشعب” بأنها رقصة تعبر عن الشكر أو العرفان بالجميل، خاصة إذا كان الصيد وفير والخير الكثير فيقومون بحركات فنية متنوعة متتابعة ومتناغمة مع الأغاني التي تغنيها النساء.
كما يعرف هذا النوع الموسيقي أو الرقصة، بأنه خاص بـ«العزاب الشباب” نتيجة لخفت الايقاع المتميز بالحيوية والنشاط، فهم بهذا يعبرون عن شعورهم وفرحهم، تيمنا بالمقولة القديمة القائلة، إن “التهيجالت” كانت تغنى في مواسم الحروب والخلافات، فعند فوز أي قبيلة كانت تؤدى الرقصة تعبيرا عن نشوة الانتصار بألحان خاصة وإيقاع موحد.
إيقـاع وأغنيــة طابـع أروقــاص (أيلانــغ ـ الجدبــة)
لهذا النوع الغنائي الايقاعي عدة تسميات، حسب الفنان عبد الوهاب بوغردة وهذا نتيجة لامتزاج الطوارق” بالعرب، لذلك نجد تسمياته تختلف لكنه ثابت من ناحية الأداء الغنائي والإيقاعي، يؤدى هذا النوع أروقاص ليلا بشكل عشوائي من ناحية الرقص، يتم الجدب على هذا الايقاع من طرف الرجال والنساء وبأغاني خاصة في مواسم الأعراس في وقت الليل لأنه هو الوقت المخصص لهذا النوع الموسيقي، قد يتمّ الإغماء على الراقص في هذا النوع الإيقاعي الغنائي، لتفاعله الشديد مع الحركات اللحنية لـ«أمغار نيزلان” والتأثير الكبير للإيقاع.
آليــوان.. موسيقــى طقـوس الـزواج
يعرف طابع “أليوان” بالشعر الملحون النسوي، وهي أغاني شعرية لقصائد التي تزف بها العروس، يستعمل فيه الإيقاع في مناطق خاصة من الأهقار كمنطقة “تاظروك” و«تين تارابين” و«ادلس”. ويستخدم هذا النوع الموسيقي في ليلة مرافقة العروس لبيت زوجها بأشعار مفعمة بالتوصيات والرسائل، التي تحتوي على كلام طويل وعريض، تتضمن النصح والإرشاد مصحوبة بإيقاع مغنيات مختصين في هذا النوع الغنائي المخصص للزواج.
”ايصـارة”.. ابتكــار المزارعــين
يعد هذا النوع الإيقاعي الغنائي الراقص “إيصارة” - يقول بوغردة- من الأنواع الموسيقية الذي ابتكره المزارعون.. ورغم أن هذا النوع يتوزع في منطقة “تديكلت” و«توات”، إلا أن “إيصارة” بمنطقة الأهقار وخصوصا في منطقة “أبلسة” 100 كلم عن عاصمة الأهقار، لها طبع خاص، نتيجة امتزاج الثقافات بين الفلاحين القادمين من منطقة توات وآخرين من منطقة آجر، مما ولد نوعا جديدا للطابع الموسيقي انطلاقا من “أمغار نيزلان” والمسمى بـ«إيصارة”.
إيقــاع “تاكوبــا أغـــار”.. رقصــة حربيـة
رقصة أو أيقاع “تاكوبا أغار”، هي رقصة حربية تؤدى بالسيوف تقول فاطمة أفرواق، تكون بين فريقين، يرقص فيها الرجال بالسيوف “تاكوبا” والألواح أو ما يعرف بـ«الضرقة”، مع حركات استعراضية في غاية الدقة والاحترافية، بعدها تتحول إلى رقصة أخرى يتم فيها التخلي عن السيوف ليتم تمثيل مشهد تاريخي، يحكي عن الزرع والحصاد واللصوص بطريقة استعراضية غنائية.
رقصـة “الجاقمـي” أو “تزنغرهـت”
هي إحدى الرقصات الشعبية المفضلة عند الطوارق، تؤكد فاطمة أفرواق، تتميز بطريقة خاصة تؤدى بها، ليس أي أحد يعرفها لصعوبة أدائها، كما أنها لا تحتوي على أي آلة موسيقية، فهي بذلك مزيج بين الغناء والزغاريد والتصفيق والضرب على التراب بالأرجل بانسجام وتناغم تام بين الجميع.
فرقة “الجاقمي” أو “تزتغهرت” يجب أن تحتوي على النساء والرجال كل واحد بدوره، فالنساء يغنين ويصفقن ويزغردن، ونادرا ما يرقصن من جهة أما الرجال فيرقصون. وتمتاز هذه الرقصة بأن لها هيبة كبيرة لدى الطوارق، فعند البدء بالرقص يبتعد الأطفال والشباب الذين لا يرتدون الزي الرسمي لهذه الرقصة لكونها غير عادية، فلابد للراقص أن يكون ذكرا بالغا وبزيه الرسمي.
معـالم تاريخيـة تجسّـد المـوروث المـادي
تعتبر الحظيرة الثقافية للأهقار من أكبر المتاحف المفتوحة على الهواء في افريقيا، نظرا لاحتوائها على تراث ثقافي ضارب في القدم، يضمّ هذا التراث في شقّه المادي: الممتلكات الثقافية العقارية (المعالم التاريخية) التي تنتشر عبر إقليم هذه الحظيرة، والمعرفة في المادة 17 من قانون 98/04 الخاص بحماية التراث الثقافي ما يلي:
«بأنها أي إنشاء هندسي معماري منفرد أو مجموع، يقوم شاهدا على حضارة معينة أو على تطور هام أو حادثة تاريخية، والمعالم المعنية بالخصوص هي المنجزات المعمارية الكبرى ..، والمباني أو المجمعات المعلمية الفخمة ذات الطابع الديني أو العسكري أو المدني أو الزراعي أو الصناعي”.
كثيرة هي المعالم التاريخية التي تزخر بها الحظيرة الثقافية الأهقار، حسب سيد أحمد بيكة رئيس مصلحة التراث والبقايا التاريخية بالحظيرة، والتي حاولنا إبرازها والتعريف بها.
قصــر موســى اق امستــان
يقع المبنى بمدينة تمنغست بحي “صورو” على الضفة الغربية لوادي تمنغست، وهي بناية ذات طابع سكني كانت مقرا لحاكم الأهقار قديما أو ما يسمى بأمنوكال، بني سنة 1906 لأمنوكال موسى اق امستان، بعد أن نجح في توحيد قبائل الطوارق وعقد ميثاق السلم مع الإدارة الفرنسية وجيشها، عن طريق الملحق النقيب ميتو في عين صالح، هذا المبنى كان مسكنا له ولعائلته من جهة، ومقرا لتسيير شؤون شعبه واستقبال الضيوف من جهة أخرى، وقد تم بنائه على مراحل خلال الفترة الممتدة ما بين 1906- 1929، ابتداء من حكم موسى اق امستان، مرورا بأمنوكال اخموك اق اهما، خلال فترة حكمه ( 1921-1941)، ثم مولاي زين الدين الرقاني الذي بنى مدرسة لتعليم القران بالقرب منه، والقصر مبني من مواد بناء محلية (طوب، حجارة، جذوع وأغصان أشجار)، أما بالنسبة لمصطلح “صورو” فهي كلمة تارقية تعني العلّيّة أو الطابق الأول.
قصـر صـورو تـــازروك
تقع البناية بمدينة “تازروك” بوسط المدينة وهي بناية ذات طابع سكني بنيت من طرف الفرنسي Pétr، وذلك بطلب من محمد البكري حفيد الحاج أحمد أق الحاج البكري أمنوكال الهقار (1850-1877) بمساعدة بنائين من منطقة توات سنة 1912 بمواد بناء محلية وهندسة معمارية صحراوية، وكان هذا المعلم مشغولا من طرف عائلة من أحفاد محمد البكري إلى وقت قريب، لكن حالته المتدهورة كانت تشكل خطرا دائما لذلك غادروه.
قصبــة سيلـــت
تقع البناية في دائرة سيلت على بعد 140 كلم عن مقر الولاية تمنغست، مبنية من المواد المحلية (حجارة، طوب، جذوع النخيل) وتتميز عن المعالم الأخرى بكيفية استعمال الحجارة والملاط عند بناء الجدران، وموقعها في مدخل المدينة بجوار الواحة ووادي سيلت، كما يجاورها مصلى صغير وفقارة تجري مياهها إلى غاية اليوم، تعد الأصغر من حيث المساحة بالنسبة للمعالم المذكورة آنفا، لا نعلم عنها الكثير إلا أن بعض المصادر ترجع تاريخها إلى فترة استقرار المرابطين بسيلت حوالي القرن 12.
حاملو وحفظة التراث من الاندثار ينتظرون الاهتمام
يرى الباحث في الثقافات الشعبية، الكاتب مولود فرتوني في حديثه لـ«الشعب”، أن كل ثقافة تقوم على عناصر مهمة تعمل على حفظها والتراث الثقافي لولا حملته لأضمحل وزال واندثر. وأشار إلى أن “منطقة الأهقار تزخر بالعديد من التراث المادي واللامادي وهناك مجموعة من المتعلقين بهذا التراث بشقيه يسمون بحملة التراث، ونجدهم متعلقين به ويمارسون حمايته وحمله، ولعلّ ما يحدث من تطور وتسارع تكنولوجي أدى لظهور ممارسات توازي ما يوجد من تراث أصيل وربما يؤثر عليه ويؤدي لتراجعه، مما جعل حملته يختفون من يوميات الممارسات الجديدة والمتسارعة.
ويضيف المتحدث “ولعلّ هذا ما يجب أن تتحرك له الهيئات المسؤولة على التراث عندنا لأجل حفظه والحفاظ عليه، ولكي يتأتى ذلك علينا أن نسعى لذلك، وخاصة وأن بعض الممارسات الثقافية والتراثية بأقاليمنا بدأت تتراجع، نظرا لما تتطلبه من جهد على غرار الصناعة التقليدية والأعشاب والصناعات الجلدية”.
كما أن هناك بعض الممارسات التي قلت رغم الارتباط الذي تتمتع به من طرف المهتمين بها، من ذلك بعض الرقصات الشعبية على غرار، رقصة “تازنغاريت” والتي تعرف بـ«الجاقمي” بـ«أهقار وتمسنا”، وبعض الرقصات الموازية لها في منطقة “ازجر” كـ«تاهامت”، وكذلك بإقليم النيجر وبعض دول الساحل.
هذا الارتباط الكبير بهذه الرقصة إلى حدّ الهوس، من طرف حامليها ومحبيها يقول “يعد نموذجا للعديد من محبي باقي الفنون، الذين فضلوا الابتعاد إما قصرا بسبب الوفاة أو طوعا بسبب الإهمال وعدم التكفل بهذه الممارسات على مستوى الهيئات المسؤولة عن التراث.. حتى على مستوى الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، التي لا يمكنها توفير لحامل التراث سوى حماية بسيطة، ولو كان محظوظا يتمّ حمايته عن طريق تصنيفه إما وطنيا أو عالميا”.
وكمثال حي على ذلك يقول المتحدث، ما حدث مع تراث “إمزاد” المصنف كتراث عالمي لكن لم يستفد ممارسيه من هذه الحماية، ففقدنا العديد منهم من امثال ادابير بيات 2023، ادابير كولة 2022، شانة امريوض 2024، عجلة محمد 2021، بلخير محمد 2018، السيدة ترزغ 2024، الذين لم يستفيدوا من تصنيف “إمزاد”.
من جهة أخرى، يضيف مولود فرتوني، أن قانون الفنان لم يظهر بشكل واضح مكانة الممارس لمختلف التراث كـ«تازامارت” و«اسوات” و«تيسيواي” و«تيندي”، وغيرها من الممارسات التي لا يزال ممارسوها ينتظرون قوانين تحفظ لهم حقوقهم وكذلك تحفظ لهم تراثهم الأصيل. مؤكدا إلى أن ذلك ينطبق على كل الممارسات سواء منها الصناعات التقليدية والأكلات التقليدية والزي، وصناعة الحلي وكل الممارسات المرتبطة بهذا التراث.
أما التراث اللامادي فأغلب المخلفات ـ حسبه ـ تعاني من الإهمال من ذلك الجنائز والقصور والآبار والرسوم والنقوش والمخلفات والبيوت القديمة والأدوات.. وما نال الاهتمام والدراسة منها قليل، ليضيف “وهذا أيضا له شبه مهتمين يمكن وضعهم في خانة حملة أو حفظة هذا التراث ولكنهم يعانون من التهميش وعدم الاهتمام بهم، تقع البناية في دائرة سيلت على بعد 140 كلم عن مقر الولاية تمنغست، مبنية من المواد المحلية (حجارة، طوب، جذوع النخيل) وتتميز عن المعالم الأخرى بكيفية استعمال الحجارة والملاط عند بناء الجدران، وموقعها في مدخل المدينة بجوار الواحة ووادي سيلت، كما يجاورها مصلى صغير وفقارة تجري مياهها إلى غاية اليوم، تعد الأصغر من حيث المساحة بالنسبة للمعالم المذكورة آنفا، لا نعلم عنها الكثير إلا أن بعض المصادر ترجع تاريخها إلى فترة استقرار المرابطين بسيلت حوالي القرن 12.
واعطائهم صفة تعريفية تربطهم بهذا التراث الكبير”.