البروفيسور سعدي سلامي لـ«الشعب”:

الآلة محفوفة بالمخاطر..لا تعـوّض العقـل البشري

موسى دباب

أكد البروفيسور والخبير الدولي سعدي سلامي أن الترجمة الآلية ما تزال محفوفة بالمخاطر، خصوصاً في المجالات الدقيقة، موضحاً أنها تعاني من مشكلة توحيد المصطلحات بين الحقول العلمية المختلفة، فضلاً عن محدودية استيعابها للسياق داخل النصوص التقنية المتخصصة.

ضرب سعدي مثالا بالنصوص الطبية، حيث قال: “قد تُترجم بعض المصطلحات مثل Heart attack ترجمة حرفية إلى “هجوم قلب” بدلاً من “أزمة قلبية” أو “احتشاء عضلة القلب”، وقد يحدث خلط بين الجرعات أو الأسماء التجارية للأدوية، ما يجعل أي خطأ بسيط خطيراً”. وأضاف في حديثه لـ«الشعب” أن “الأمر نفسه ينطبق على النصوص القانونية، فقد تُستبدل مرادفات تبدو متقاربة لكنها تختلف قانونياً، مثل الخلط بين “يلتزم بـ« و«ينبغي” أو “يجب”. كما تفرض الترجمة الآلية في النصوص التاريخية مفاهيم حديثة أو غربية على نصوص قديمة، فيما يختلف معنى الكلمة في القرن العاشر عن معناها اليوم، فضلاً عن عجز الآلة عن التمييز بين مصدر تاريخي موثوق وآخر أدبي أو أسطوري”، ما يفرض ـ حسبه ـ “ضرورة الالتزام بالحياد والدقة لتفادي أي تحريف أو إسقاطات معاصرة”.
وأشار إلى أن “الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ممكن إلى حدّ كبير في النصوص العامة وغير المعقدة، إذ يوفر سرعة وكفاءة عالية، ويعزز التواصل الفوري بين الثقافات، ويسهّل الوصول إلى المعرفة بمختلف اللغات، فضلاً عن خفض التكاليف وتسريع الإنجاز بشكل غير مسبوق، ودعم البحث العلمي والتعاون الدولي”. غير أن الرهان الأكبر ـ كما يؤكد ـ يتمثل في “تطوير نماذج قادرة على فهم السياق والتأويل الثقافي، لا الاكتفاء بالتحويل الحرفي”.
ويرى المتحدث أن المترجم البشري “قادر على استثمار أدوات الذكاء الاصطناعي دون الإخلال بالجودة، عبر استخدامها في إعداد مسودات أولية أو استخراج المصطلحات ومقارنة النصوص، على أن يركز المترجم على الترجمة الإبداعية والتحرير الذي تعجز الآلة عن بلوغه، مع ضمان مراجعة دقيقة وصقل النص بما يتوافق مع الثقافة والهدف المرجو”. وشدّد على “أهمية حماية سرية الوثائق والحق الأدبي”، مؤكداً أنه “لا يوجد ضمان مطلق لحماية البيانات الحساسة عند إدخالها في أدوات عبر الإنترنت، إذ يتوقف ذلك على سياسات الشركات المطورة وأمن أنظمتها”، موضحاً أن “الحل الأمثل يكمن في استخدام أنظمة محلية على خوادم المؤسسات”. كما لفت إلى أن “الترجمة الآلية لا تتمتع بحقوق أدبية بالمعنى التقليدي، وأن المسؤولية عن أي خطأ تقع على المؤسسة أو الشخص الذي اعتمدها دون تدقيق”.
وأوضح أن “التحولات التكنولوجية أدخلت كثيراً من المترجمين التقليديين في حالة قلق وتهديد، لشعورهم بأن مهنتهم مهددة”، لكنه استدرك قائلاً إن “البعض حوّل هذا التحدي إلى فرصة، فلم يكتفوا بدور المترجم فحسب، بل أصبحوا مدققي ترجمة آلية، ومديري مشاريع لغوية، ومحرري محتوى، وهو ما يمنحهم قيمة مضافة لا تستطيع الآلة تقديمها”.
وأشار إلى “وجود مبادرات لجامعات ومراكز أبحاث، مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST) بالسعودية، لتطوير نماذج لغوية عربية”، لافتاً إلى أن “القطاع الخاص بدوره يسعى لتحسين أدوات ذكاء اصطناعي تدعم اللغة العربية، إلى جانب مشاريع مفتوحة المصدر لإنشاء قواعد بيانات متوازية ومساحات لغوية مفتوحة لتدريب النماذج”. لكنه أكد أن “هذه الجهود ما تزال بحاجة إلى بيانات عربية عالية الجودة ومنظمة على الإنترنت لإنتاج نماذج دقيقة وقابلة للمنافسة”.
وختم سعدي بالقول إن “الترجمة الآلية أداة قوية يجب التعامل معها بحذر، خاصة في المجالات الحساسة، وأن مستقبل الترجمة يقوم على التكامل بين الإنسان والآلة، بحيث تنجز الآلة العمل السريع، ويتدخل الإنسان لرفع الجودة، وإضافة البعد السياقي، وضمان الدقة والأمان، مع تحمّل المسؤولية الأدبية والقانونية”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19883

العدد 19883

الثلاثاء 23 سبتمبر 2025
العدد 19882

العدد 19882

الإثنين 22 سبتمبر 2025
العدد 19881

العدد 19881

الأحد 21 سبتمبر 2025
العدد 19880

العدد 19880

السبت 20 سبتمبر 2025