- خيـانـــة -

نورالدين لعراجي

تأبطه المساء، وهو يخرج أنفاسه بعسرة غير معهودة، أوصاله تتراقص ذعرا. كالذي سكب الملح في جرحه المدفون بين بقايا فؤاده  غادر صاحبه عنوة، ارتمى مزمجرا على مقود سيارته، تضيء عيناه دموع صوته .
 (قبل أن تعثر إحدى رسائله في علبة بريدها.)
فقد شاهدها بأم عينيه لثاني مرة وهي تنزل من السيارة الفاخرة، وترافق ذلك الكهل الدميم شقته المطلة على الميناء .
- لقد تأكدت بنفسك، واكشتفت تدابير اللعبة. فلماذا تصر على الانتظار؟
- ثم لماذا لا تعترف أن ما وقفت عليه كان الحقيقة، والحقيقة فقط.
قال الجمعي :
- إذن عندما تغلق هاتفها النقال. لم تكن بالجامعة كما سبق وأن أخبرتني أختها!
- فهي المؤامرة بعينيها. إذن !
- تراها الآن بين أحضانه، تشعل سيجارة، ثم تلعن  الأخرى على ثقتك المهدورة.
- ياه: كم أنتَ ''نيه'' يا الجمعي
-إنها بين أحضانه، إني أشعر بأنها تشتمني الآن، إنها تخونني جهارا نهارا
لقد كان إصرارك اليوم لكي تلتقيها على غير العادة، وهو ما جعلك تُعجل بانتظارها و مقابلتها عند خروجها من الجامعة حتى تحدثها عن القرار الأخير الذي توصلت إليه، وهو إعادة ترتيب العلاقة وإعلان موعد الخطبة .
قديما قالوا'' :الشبهة أخت الحرام''، وبالتالي من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بأذنه .
كان يرافقك شرود ما شاهدت بعينيك، وها أنت الآن تلملم ما تبقى من صورها، وبعض رسائلها التي كانت تصلك منها، وأنت غارق في عملك بالمهجر، من أجلها فقط .
ماذا تساوي هذه الأوراق لها الآن؟
بالأمس القريب كنت الأبله، واليوم صرت المطعون في ظهره، فقد كانت هذه الأوراق تزيد في عمرك وتنتعش بالشوق في منفاك بالغربة، أما الآن فحالتك ليست إلا كثوران بركان نهض من سبات عميق ومفاجئ ، وها هي حمم الخيانة توقفك على قدميك، لتنهض من على هامش الأحلام الساقطة.
 وفي غمرة من نفسها، وهي تُحضّر نفسها للقاءك هذا المساء، لم تكن تعلم أنك كنت متفرجا من الدرجة الأولى على مسرحية شاهد على اغتيال وطن، كان يسكن داخل فؤاد ''الجمعي.''
فتحت علبتها البريدية لتجد رسالة، تتحدث عن موعد مع حبيبها. وهي تنظر في المرآة، تعيد رسم فسيفساء شكلها، لم يكن بإمكانها أن تمارس دورين في صلاة واحدة، وما حضوره هذه المرة إلى ''مطعم زرياب'' مثل أي حضور آخر قد مضى فقد استغلت طيبته وقاعدة(هو يموت حبا فيها.)
المكان هو نفسه، كما جمع جسديكما أول مرة، الطاولة التي احتوتكما في أقصى المكان من زاوية المدخل.
 هي نفسها عاكفة بالمكان، كشاهدة لضريح ما زال يعلوه، بعدما زال منه الشموخ بعد أول خلوة جمعتكما.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024