الأعراس في تيزي وزو

“الجبّة”، “المنديل” و”السبوع”..عادات لاتزال راسخة

تيزي وزو: ضاوية تولايت

تتميّز الأعراس بمنطقة القبائل بعادات وتقاليد تحكي أصالة الأمازيغ، ورغم مرور العصور إلاّ أنّ هذه العادات لاتزال تتمسّك بها العديد من العائلات حيث توارثوها أبا عن جد. ويسعى السكان للمحافظة عليها، فرغم بعض اللمسات العصرية التي أصبحت حاضرة في أعراس اليوم إلا أنها لا تختلف كثيرا عن الأعراس التي تقام في القدم،تعكس ثقافة مميزة من نوعها ترمز للتفاؤل والمحبة.

ولعل ما يضفي ميزة خاصة للأعراس بمنطقة القبائل أطباقها ومأكولاتها المختلفة التي يحضرها السكان في هذه الأفراح لاستقبال الضيوف، حيث يعد طبق الكسكس باللحم من أهم الاطباق التي تقدم في اليوم الأول من العرس أو ما يسمى بيوم الحنة، ناهيك عن البوزلوف والدوارة، إلى جانب الحلويات والخفاف والمسمن.
تقام الأعراس على مدار يومين متتاليين، فبالنسبة لليوم الأول يسمى بيوم الحنة، أما اليوم الثاني يسمى بيوم الزفاف أين تزفّ العروسة لبيت زوجها.
العرس يومان ... «الحنة» والزفاف
قبل يوم الحنة يقوم أهل العريس بدعوة جميع الجيران والاقارب لذبح العجل ومشاركة فرحة الذبيحة، حيث يقسم العجل ويمنح أهل العريس الربع من لحم هذا العجل لأهل العروسة، مع العلم أن أهل العريس يتكفّلون بنصف مصاريف الزفاف التي تقام ببيت الحماة الجديدة.
أما بخصوص الألبسة فيعد اللباس التقليدي القبائلي مصدر تألق المرأة والرجل وحتى الأولاد الصغار، في مختلف الحفلات والمناسبات القبائلية، إذ يتفنن الكل في اختيار ما يتناسب مع الحفلة المقامة، والتحضير لحفل الزواج على الطريقة القبائلية تميزه الملابس التي يلبسها كل من العريس والعروس.
ففي مساء يوم الحنة تقام الحفلة أين يـأتي أهل العريس إلى بيت العروس، حيث تكون هذه الأخيرة غاية في الجمال من خلال اللباس التقليدي الذي ترتديه يكون عادة “جبة واضية”، باعتبارها الأصلية وتشدها بحزام يدعى “أقوس نلفوضة”، لكن هذا لا يمنع من ارتداء تصاميم أخرى عصرية وذلك حسب رغبة العروس، كما تضع الفضة المناسبة كالخلخال، المقياس، العصابة والعقد، وتغطي وجهها بمنديل غالبا ما يكون من اللون الأحمر، وأحيانا يكون مطروزا بخيوط حريرية ملونة.
هنا يتم وضع الحنة لها بحضور العديد من النسوة اللاتي قد يرتدين أزياء عصرية، وهنا يكن قد وقعن على هزيمتهن على البساط الأحمر، وأخريات من صف العروس فكلهن وصيفات لها وهكذا تتألق المرأة القبائلية في كل المناسبات لتهزم كل منافساتها، وتحتل الصدارة لا لشيء إلا لأنها حافظت على تقاليدها وعاداتها التي جعلتها تحوز على إعجاب الناس، وبعد الانتهاء من وضع الحنة لها يرجع أهل العريس إلى بيوتهم.
لكن قبل ذلك فإن الرجال بدورهم من الجهة الاخرى أي ببيت العروس دائما، تقام قراءة الفاتحة على الزوجين الجديدين بحضور وفد من الرجال والشهود والعريس ووالي أمر العروس، ليتم تطبيق شرط من شروط الزواج والمتمثل في المهر وقراءة الفاتحة
والاعلان الرسمي للزواج. وبعد الانتهاء من قراءة الفاتحة يقوم أهل العروسة بتقديم عشاء لاهل العريس أو ما يسمى “اعراسن” متمثل في طبق الكسكس باللحم المحضّر من العجل، الذين قدّمه لهم أهل العريس كما سبق ذكره، ليرجعوا بعد ذلك إلى بيوتهم.
بمنزل العريس في ذات الليلة يقام كذلك وضع الحنة للعريس بحضور جميع المدعوين وذلك بعد العشاء،حيث توضع طاولة في الهواء الطلق بوسط القرية وباستعمال الميكروفون وتحت زغاريد النساء وغناء الرجال. بعد وضع الحنة للرجل يقوم جميع الحضور بتقديم أموال توضع داخل طبق الحنة أو ما يسمى “جمع ثاوسة” ليقوم بعدها بتقديم الحلوة والقهوة على شرف العريس الجديد الذي بالتاكيد يكون قد تزين بلباس تقليدي متمثل في البرنوس الأبيض.
بعد ذلك ينظّم حفل فني ساهر يقدمه بعض الشباب
والمغنيين أو فنانين مشهورين يضفون جوا مميزا في السهرة وإدخال الفرحة في قلوب الرجال، الذين يقومون بالرقص طوال الليل الى غاية بلوغ الفجر تعبيرا عن سعادتهم لتزوج هذا الشاب الذي دخل القفص الذهبي، فيما تكتفي النساء بالفرجة.
ورغم أن هذه السهرات الليلية قد أدخل عليها بعض التغيير في السنوات الاخيرة أين أصبحت السهرات تنظم بالـ “دي جي”، لكن الهدف يبقى واحد هو تنظيم سهرة أو حفلة لزرع الفرحة والسعادة.
وإن كانت هذه السهرة بالنسبة للرجل فإن ذلك لا يختلف كثيرا في السهرة التي تنظم في بيت أهل العروسة التي تقام كذلك على شرفها سهرة ليلية بحضور النساء فقط دون الرجال.
الجبّة القبائلية..زيّ قبائلي مميّز للعروسة
 يرجع أهل العريس إلى بيت العروس في اليوم الموالي ولكن هذه المرة يأتي معهم العريس، من زيه يتوسم فيه سمات الفارس الشجاع الذي عقد العزم أن لا يهزم على بساط الأناقة في ليلة العمر، إذ يرتدي زيّا تقليديا أمازيغيا يبهر كل من يراه، يتكون من سروال يدعى “سروال اللوبيا” لونه أبيض، يشد بحزام حريري بني يكون مطرزا بنفس الطرز الموجود على أطراف السروال، وكذلك حول عنق القميص وأطرافه عادة ما يكون باللون البني، أما البرنوس فقد يكون أبيضا أو بنيا يصنع من الصوف الطبيعي يحمل توقيعا أمازيغيا عند العنق كأنّه وسام الشرف الذي لا يجب أن يضيّعه.
والشيء المثير في العرس أنه للحصان نصيب وافر من الزي التقليدي الأمازيغي، إذ يزين بالمناديل الملونة، وهناك من يضع فوق رأسه البروش ليكون مركبة للعروس بعد خروجها من بيت أهلها مغطاة بستار يختلف لونه حسب ذوق كل عروس حيث تحاط بالرجال من كل جانب، وخلفها حشد من أهلها وأهل زوجها وكأنّها الكاهنة في ليلة زفافها هنا تعنون زواجها بالنجاح.
وقد استبدلت العديد من التقاليد حاليا بلمسات عصرية لكن العديد منها لايزال محافظا عليها، فبدل الحصان تحضّر العروس اليوم بسيارة لكن هذه الأخيرة تزيّن بـ “ثمحرمث” و”المنديل”، واحدة من أمام المركبة والأخري من الوراء محاطة بزهور مختلفة، حيث يتوجه المدعويين في موكب من السيارات إلى منزل المرأة لاحضارها إلي بيتها الزوجي الجديد تحت زغاريد النساء.
فرقة “اضبالن” هي الاخرى يستوجب إحضارها في يوم الزفاف، وهي فرقة غنائية خاصة تقوم باستعمال المزمار والبندير في الغناء، يرتدون لباسا مميزا متمثلا في سروال اللوبية والعمامة الصفراء، حيث يغنون ببيت أهل العريس ثم على طول الطريق تحت أصوات منبهات السيارات.
العروسة تكون قد تزيّنت بأبهى لباس لديها، فرغم أنه في السابق كانت العروسة ترتدي الجبة القبائلية
والمجوهرات الفضية، تعصابت فوق رأسها، الخلخال في رجليها، ابروش في صدرها، المشلوخ في يدها
وسلسال يغطي جميع رقبتها. كلها حليّ مصنوعة من الفضة، إلا أنّه حاليا طرأت عدة تغيرات فبدل الجبة القبائلية المزركشة بأبهى الألوان: الأصفر، الأزرق، الأخضر والأحمر، أصبحت ترتدي اللباس الابيض، لكن رغم ذلك لا تزال العائلات القبائلية محافظة حيث تقوم العروسة بوضع منديل أصفر اللون لغطاء وجهها عند خروجها من منزل والدها.
وتخرج العروس في ولاية تيزي وزو تحت يد والدها بارتداء الحايك أو البرنوس، لكن عند دخولها إلى بيت زوجها تشرب الحليب والماء ثم ترمي حبة بيض طازجة داخل ملابسها لتسقط على الأرض وتتكسّر ثم تمر عليها، وتعني هذه الطقوس وسيلة من وسائل تجنب العين والحسد، وتحمل بعد ذلك غربال مليء بالحلوى والمكسرات وترميها على المدعوين، كما تقوم العروس بوضع الحنى مرتين، مرة في بيت أهلها ومرة ثانية في بيت زوجها بإطلاق رصاص البارود.
“السبوع” أو اليوم السّابع عادة متمسّك بها
ما يميز الأعراس أيضا بتيزي وزو عادة “السبوع”، فبعد مرور سبعة أيام على مكوث الزوجة في بيت زوجها يقام لها حفل آخر حيث يدعى إليه جميع الجيران من جديد لمشاركتهم فرحة مرور أسبوع على وجود العروس في بيت زوجها.
وترتدي العروس في هذا اليوم أبهى ما لديها من لباس تقليدي يسمى “تقندورثق نلقايل” المزركش بأبهى الألوان وتتزين بالحلي الفضية. كما جرت العادة تخرج العروس بعد مرور هذه الفترة من الزمن من بيت الزوجية حاملة معها ما يسمى “تيبوقالين”، وهي أواني مصنوعة من الفخار، متجهة إلى “تالة” وهو ينبوع من المياه، وترافقها جماعة من النساء يلبسن الجبة القبائلية وهن يطلقن الزغاريد على طول الطريق المؤدية للينبوع.
وبمجرد وصولها بيت الزوجية تقوم العروس بسقي جميع الأطفال الذكور الحاضرين في حفل السبوع من المياه التي أحضرتها من الينبوع بأوان من فخار أو “تيبوقالين”، وهي فال ليرزق الله الزوجين بالذرية الصالحة.
بعد ذلك يقدم للمدعوين القهوة والحلويات وكذا الأطباق التقليدية على غرار المسمن، الخفاف، البيض أو ما تسمى “تمشوشت”، لتشرع بعدها بترديد أغاني تعرف في المنطقة بـ “اشويق” كتقليد راسخ في المنطقة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024