ذاكرة فنية تبحث عن التجديد دون «تحريف»

العيساوة..تـراث وطني يتحـدّى النسيان

مفيدة طريفي

 تتنوع الطبوع الفنية الشعبية في الجزائر، منها من ظهرت منذ قرون وتوارثت من جيل لآخر وأخرى اختفت والبقية تصارع من أجل البقاء، حيث تعددت واختلفت أسماء هذه الذاكرة الشعبية بين الأداء النسوي والرجالي الذي كان يتماشى وخصوصيات المجتمع الجزائري وارتباطه بالدين الإسلامي، كالمداحات في الغرب الجزائري والفقيرات والبنوتات في الشرق، إلى جانب العيساوة والهدوة التي يؤديها الرجال، حيث يحتاج حاليا هذا النوع من الفنون الذي يحظى بشعبية جماهيرية إلى نفس جديد لجيل يحتضنه ويعيد إحياءه دون تحريفه.

تعد العيساوة تراثا وطنيا أصيلا منتشرا في عديد الولايات منذ القرن 15 للميلاد، حيث أن ميلاد هذا الأخير داخل الزوايا الدينية سمح بالحفاظ على جزائريته دون نسبه للآخرين من جهة، وحمايته من الاستيلاء اليهودي على بعض الفنون إبان الحقبة الاستعمارية، على غرار المالوف من جهة أخرى، وهو الأمر ذاته للغناء النسوي الذي لم يتم اختراقه وأبرز تأثير التصوف على الغناء الجزائري، ولا تزال بعض الطرقية تتبع فن العيساوة على ما كانت عليه قديما داخل الزوايا، واعتبرت جعله موسيقى مربحة تحريفا لأصله وإلحاق الضرر به، فيما يرى البعض ضرورة تجديده للإبقاء عليه.
وحسب ما ذكره المؤرخون، فقد تأسست «البنوتات» سنوات الثلاثينيات، حيث كانت رائدة الفرقة تلقب بـ «لالة»، وهي عبارة عن جوق نسوي يغني للنساء فقط، كانت من رواده خدوجة بنت العيساني، والتي نشرت هذا النوع الموسيقي، تبعتها بنت الفرقاني «زهور» التي أنشأت فرقتها الخاصة سنوات الخمسينات ثم فرقة الأختين قرمية وطاطا، جوق الحاجة زينب، جوق باية بنت الجباس، جوق زوليخة وهي الأخت التوأم للحاج محمد الطاهر الفرقاني وحاليا فلة الفرقاني، التي تعد وريثته.

فرقـة فقــيرات مالــك..

ويواجه فن «الفقيرات» المستنبط من كلمة الفقير، خطر الزوال في الشرق، وهو فن مستنبط من فن العيساوة وإيقاع المالوف، ويميل إلى الغناء الأندلسي المرتبط بالمديح الصوفي، حيث كان يغنى بطريقة منتشرة في الشرق من طرف نسوة فقط يعتمدن على قصيد معين في المدح والحمد لله والاستعانة بآلتي الطار والدف فقط والأداء يكون بالصوت الجماعي، حيث يرتدين ملابس خاصة تقليدية بالمنطقة، على غرار القندورة القسنطينية والعنابية، ويعتبر حضورهن ركيزة أساسية في أعراس الشرق الجزائري، ومن أشهر فرق الفقيرات بالشرق جوق فقيرات مالك وهو الجوق الوحيد المتبقي وجوق دار بلفرطاس.
هذا ونجد أن مؤديات هذا النوع في تراجع بشكل كبير ولم يرفع لواءه إلا مالك الفقير وهو صوت رجالي يعد الشخص الأبرز الذي حافظ عليه لحد الساعة مع ظهور بعض الشبان الجدد في الشرق الجزائري غير أنها محتشمة.

أصغر شيخ للطريقة العيساوية

أكد عبد الجليل سمار، أصغر شيخ للطريقة العيساوية عبر الشرق الجزائري، ممن تتلمذ على شيوخ العيساوة وهم الشيخ سليم مزهود وعبد الرحمن حسروري وخوجة نور الدين وادريس عزوز، وتوارث هذا النوع أبا عن جد ومن أخوال على الطريقة الحنصالية، أن الطريقة العيساوية في الجزائر صوفية دينية ربانية، تقوم على أصول الفقه المالكي وتحفيظ القرآن والأذكار والأوراد، مواصلا في حديثه، أنها تأسست سنة 1570م في عهد حكم علي خوجة باشا في ولاية المدية وتحديدا بمدينة وزرة، حيث تم إنشاء أول زاوية عيساوية فيها على يد الولي الصالح العارف بالله الشيخ أمحمد بن عيسى الشريف الإدريسي الحسيني، بعد قدومه من الغرب وهو الحفيد الأكبر للشيخ الكامل محمد بن عيسى الأكبر، وسمي بالكامل لله لأنه كان جامعا لعلوم الدين والشريعة.
وأفاد المتحدث إن قسنطينة تحمل عدة طرق صوفية، وهي الطريقة الحنصالية، الرحمانية، التيجانية، القادرية، الطيبية، المعمارية، فكل هذه التسميات هي انتساب للمشايخ المؤسسين لها وكلها تهدف للوصول إلى معرفة الله عز وجل ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وتختلف كل طريقة عن الأخرى في الأذكار والأوراد، ليشير في ذات السياق، أن ظهورها في قسنطينة كان سنة 1825، حيث تم تأسيس أول زاوية عيساوية في حي سيدي بوعنابة، وكان أول مقدم حسب ما يروي لبعض المشايخ هو الشيخ سيدي علي بالغول وهو صاحب القصيدة « صل على الرسول وسلم يا قاوي..باله يا ذا السول فلتكن عيساوي،» وهي القصيدة التي تروي مناقب شيخ الطريقة وكيف يجب أن يسير المريد فيها، ليواصل من بين الولايات التي انتشرت فيها الطريقة العيساوية هي القل بسكيكدة، عنابة، سوق اهراس، تلمسان والمدية وهي الأم.
وكشف محدثنا أن الزوايا تمارس ليومنا هذا الخلوة، والقصائد والمدائح الدينية، حيث كان المريد أو الفقير عند دخوله للخلوة لتجديد الإيمان، يختار غرفة لوحده للعبادة التامة، يخرج بعدها إلى حلقات المدح والقصائد ليرفع من معنوياته ثم يعود إلى أن تنتهي مدته المحددة، حيث كانت هنا القصائد والمدائح تلقى من غير ضوابط وقواعد موسيقية، ليؤكد أن قسنطينة هي أول من مزجت بين هذا المدح والقصيد ووضعت له ضوابط موسيقية، ويقال أن أول من وضع هذه الضوابط الموسيقية الشيخ سيدي احمد بسطانجي وكان شخصا على دراية بالموسيقى وقواعدها وكان من أتباع الطريقة الحنصالية. قائلا» من أبرز شيوخ الطريقة المقصدين أو القصاصدة، الشيخ امحمد الموصلي، الشيخ سي محمد بن جلول، بو درعوا، بالقاسم عبيد شارف، والشيخ سليم مزهود، الشيخ زين الدين بن عبد الله، الشيخ عبد الرحمان حسروري الڨرعيشي، نور الدين خوجة، كذلك عزوز ادريس بوعبيد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19851

العدد 19851

الأحد 17 أوث 2025
العدد 19850

العدد 19850

السبت 16 أوث 2025
العدد 19849

العدد 19849

الخميس 14 أوث 2025
العدد 19848

العدد 19848

الأربعاء 13 أوث 2025